العديد من الدراسات أن عدم الاستقرار في البلدان المجاورة يمكن أن يؤثر على النشاط الاقتصادي لبلد ما
ولقد مرت تونس بالفعل بتجربة مماثلة بسبب الأزمة في ليبيا. ووفقًا للبنك الدولي ، فإن هذه الأزمة قد تسببت في انخفاض نقطة نمو واحدة في تونس خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2015.
فعدم الاستقرار في بلد ما مثل تغيير النظام في الجزائر أو النزاع المسلح في ليبيا ، يؤثر على البلدان المجاورة خاصة و أن هذين البلدين يعدان من بين أهم الشركاء التجاريين لتونس من حيث الصادرات بعد الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك ، فإن الاستقرار في هذين البلدين يمثل قضية حاسمة بالنسبة للاقتصاد التونسي الذي أضعفه بالفعل عدم الاستقرار السياسي الداخلي.
فوفقا لدراسة أجراها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات تطرقت إلى مخاطر عدم استقرار الأوضاع الأمنية في بلدان الجوار لتونس، أوصت بضرورة التفاعل المبكر مع مختلف التقلبات المحتملة التي يمكن أن تشهدها بلدان الجوار.
وقد خلصت الدراسة إلى ضرورة تبني تونس لإستراتجية إستباقية تتلاءم مع طبيعة المستجدات والتصدي لمختلف التهديدات التي ستواجه الاقتصاد الوطني إلى حين عودة الاستقرار إلى دول الجوار.
الطيب البياحي : رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات
الاضطراب السياسي التي تشهده ليبيا منذ أكثر من تسع سنوات أدى إلى تدحرج المبادلات التجارية مع تونس
أرى أن الأحداث التي تشهدها دول الجوار لها تأثيرات قوية على الاقتصاد التونسي لاسيما مع الجارة ليبيا، حيث أدى الاضطراب السياسي التي تشهده البلاد منذ أكثر من تسع سنوات إلى تدحرج المبادلات التجارية مع تونس إلى أكثر من النصف خلال السنوات الأخيرة.
فالعديد من الدراسات أظهرت أن عدم استقرار الوضع السياسي في بلدان الجوار له تداعياته على الاقتصاد التونسي سواء من ناحية الاستثمار أو من خلال توفير مواطن الشغل أي لها تأثير مباشر على مستوى النمو الاقتصادي.
فغياب الاندماج الاقتصادي بين دول المغرب العربي يؤدي الى خسارة سنوية تتراوح بين نقطة و نقطتي نمو لكل دولة من دول المغرب العربي.
مصطفى بوشاش : محام و ناشط سياسي جزائري
“لا مجال لدفع عجلة التنمية إلا ببناء نظام ديمقراطي”
أعتقد أن تحقيق التكامل الاقتصادي المثمر والمبني على المصالح المشتركة بين دول المغرب العربي يكون بتركيز أنظمة ديمقراطية حقيقية،حيث لا مجال لدفع عجلة التنمية إلا ببناء نظام ديمقراطي الأمر الذي سيضمن تباعا تطورا على مستوى المبادلات التجارية خاصة بين تونس والجزائر وليبيا
فسيادة القانون والشفافية في تركيز الأنظمة السياسية هام جدا. فإدارة الأوضاع الاقتصادية بالشفافية سيسمح لدول الجوار بالاستثمار لان ذلك لن يسمح للأيادي الخفية بالحصول على مناقصات وهو ما سيشجع المستثمرين المحليين والدوليين على إحداث المشاريع سواء كان ذلك في تونس أو الجزائر ،كما أرى أن تركيز نظام ديمقراطي في الجزائر سيدفع العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية بين شعوب المنطقة.
مجدي حسن: المدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات:
“الأمر لا يقف عند توفر الإرادة السياسية لرؤساء دول المغرب العربي بقدر ما يرتبط بخلق ترسانة قانونية تتلاءم مع مختلف دول المنطقة وتتشارك في مبدأ سيادة القانون”
أعتقد أن تواصل الصراع في الجارة ليبيا سيزيد من تدفق اللاجئين الليبيين إلى تونس مما سيرفع الضغط على الاستهلاك وسيزيد من نسبة التضخم ولذلك يتوجب الاستعداد لتوافد الليبيين إلى البلاد،أما عن الخيار الثاني الذي يتعلق بالجانب الليبي وهو الانقسام فإن هناك طرف لن تكون له علاقات جيدة مع الجانب التونسي بما سيؤثر تباعا سلبا على المبادلات الاقتصادية وأمام هذا الخيار على تونس أن تشتغل على تنويع الأسواق وفي حالة ذهاب الجانب الليبي إلى الانتخابات وهو الخيار الذي يؤسس لإعادة بناء ليبيا الأمر الذي سيفتح الأبواب أمام تونس لتطوير استثماراتها وبناء على ذلك على تونس ومؤسساتها أن تستعد لوجستيا وقانونيا لمثل هذا الاحتمال.
أما بالنسبة للجزائر، فتونس أمام خيارين، يتعلق الأول بدعوات لانفتاح الجزائر على أوروبا وهو ما يعني أن الجزائر خلال الفترة المقبلة لن تكون مهتمة بتطوير علاقاتها الاقتصادية مع تونس ،والخيار الثاني يرتبط بمدى ملائمة التشريعات بين دول اتحاد المغرب العربي، فالأمر لا يقف عند توفر الإرادة السياسية لرؤساء دول المغرب العربي بقدر ما يرتبط بخلق ترسانة قانونية تتلاءم مع مختلف دول المنطقة وتتشارك في مبدأ سيادة القانون.
رجب اللومي: عضو مجمع المحاسبين التونسيين
الاضطرابات الأمنية تساهم في تراجع معدلات السياحة والاستثمار بسبب عدم اتضاح الرؤية والخوف من تدهور مناخ الاستثمار
تعيق الأزمة الليبية نمو الاقتصاد التونسي بسبب ما قد ينجر عنه من إغلاق الممرات الحدودية بين البلدين، وهو ما يعرقل المبادلات التجارية ويزيد من نشاط التجارة الموازية.
كما تُسهم الاضطرابات الأمنية في تراجع معدلات السياحة والاستثمار بسبب عدم اتضاح الرؤية والخوف من تدهور مناخ الاستثمار.
فقبل 2011 كانت ليبيا أبرز شريك اقتصادي لتونس على المستويين العربي والإفريقي وخاصة في مجال النسيج ومواد البناء والمنتجات الفلاحية والصناعية، لكن التهديدات الإرهابية وتدهور الوضع الأمني أدى إلى تراجع حجم التبادلات بسبب الإغلاق المستمر للمعابر الحدودية.
محمد صالح فراد: رئيس الجمعية التونسية لشركات الاستثمار في رأس المال
الاستقرار الأمني و السياسي أحد أهم المقومات الرئيسية للتنمية الاقتصادية
أعتقد أن الوضع في ليبيا لا يهم الليبيين فقط بل له أيضا تداعيات مباشرة على دول الجوار وخاصة تونس. فالانشغال التونسي بما يجري حالياً في ليبيا له أكثر من مبرر نظراً لعامل القرب الجغرافي إضافة إلى أن المعارك لا تؤثر أمنياً فقط على البلدين، بل ستكون تداعياتها الاقتصادية كبيرة.
فالتبادل التجاري شبه معطل منذ سنوات و قد يزداد الوضع تأزماً إذا استمر الوضع في ليبيا على ما هو عليه.
إذ يكمن الاشكال في عدم القدرة على توفير المناخ الاستثماري الملائم لجذب الاستثمارات الاجنبية.
فالاستقرار السياسي أمر تسعى إليه الدول لأنه يوفر لها البيئة الضرورية للأمن والتنمية.
على صعيد آخر اعتبر بعض الخبراء في ما يخص تداعيات الوضع في ليبيا على اقتصاد تونس أن هذا التأثير لن يقتصر على تونس فقط، فليبيا بلد نفطي والصراع القائم فيها قد يؤثر على ارتفاع أسعار المحروقات، وعلى مضاربات سوق النفط العالمية رغم أن سياسة الأوبك الحالية قائمة على عدم زيادة الإنتاج للمحافظة الأسعار.
فيما اعتبر البعض الآخر أن التبادل التجاري بين البلدين انخفض بعد تراجع الصادرات بشكل مخيف نحو ليبيا، فيما باتت الواردات تنصرف إلى التهريب والسوق الموازية.
كما أنّ ما يحدث في طرابلس التي تضم أكثر من ثلث سكان ليبيا وتتواصل جغرافيا اجتماعيا مع تونس، يؤثر بشكل مباشر على تونس.
فالربط الآلي بين الإرهاب والمناطق الحدودية مقصود و يراد به التعتيم على التهريب.
فما يحدث في الجنوب التونسي هو عملية طبيعية لتداخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي، ولا سبيل لمكافحة التهريب والقضاء عليه إلا بتوفير تنمية حقيقية إدماجية ومندمجة، تضمن الديمومة والاستمرارية، وفي توجه يدعم اقتصادا تونسيا ليبيا مشتركا يضمن الربح المشترك.
و قد شهدت المعابر الحدودية في ماي الماضي توتراً كبيراً بسبب اشتباكات بين تجّار تونسيين والسلطات المحلية الليبية، ما تسبب في غلق معبرَي “رأس الجدير” و”الذهيبة وازن” لأكثر من 8 أسابيع..
وقد عملت السلطات المحلية خلال تلك الفترة، في مدينتي بن قردان التونسية ووازن الليبية، على تشكيل لجنة مشتركة لفضّ النزاعات ووضع قواعد عُرفية تلزم التجّار بنوعية وكميات السلع الموردة من ليبيا نحو تونس.
إذ تُعدّ ليبيا من أهم شركاء تونس اقتصادياً، وكانت أول شريك على الصعيدين المغاربي والعربي، والخامسة دولياً بعد فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا، فيما تُعد المعابر الحدودية البرية المنفذ الوحيد للسلع التونسية التي تصدر إلى ليبيا بعدما أوقفت الخطوط التونسية الرحلات إليها منذ عام .2016
وكانت الرحلات نحو ليبيا تمثل 24% من حجم نشاط “شركة الخطوط الجوية التونسية”، غير أن المدير العام للشركة، إلياس المنكبي، قال إن الخطوط التونسية غير مستعدة في الوقت الحالي لتشغيل رحلاتها نحو مطار معيتيقة في طرابلس بسبب الظروف الاستثنائية السائدة هناك.
ويُعد انقطاع الكهرباء في المعابر الحدودية صنفاً جديداً من الإشكاليات التي تواجه المصدّرين والتجار التونسيين، حيث لم يسبق لهم في السنوات الأخيرة أن تعرّضوا لصعوبة من هذا النوع. فهو يساهم في تعطيل انسياب السلع التونسية نحو الجارة الجنوبية، حيث تُضطر الشاحنات المحمّلة بالسلع إلى الانتظار ساعات طويلة، ما يؤدي إلى تلف المنتجات المُصدّرة إلى ليبيا.
ورغم أن تزويد تونس المعبر الحدودي الليبي برأس الجدير بنحو 120 ميغاواط من الكهرباء، إلا أن ذلك لا يمنع تكرار الانقطاع لأسباب “مجهولة” بالنسبة لمسؤولين محليين في مدينة بن قردان الحدودية.
ويسعى المجلس المحلي لبلدية بن قردان، بالتنسيق مع نظيره في مدينة زوارة الليبية، إلى تجاوز الصعوبات المتكررة للكهرباء في معبر رأس الجدير، عبر زيادة إمداد الكهرباء، لكن النتائج تبقى غير مضمونة، بحسب ما أفاد به رئيس المجلس البلدي، فتحي العبعاب، الذي قال إن أزمة الكهرباء في ليبيا تلقي بظلالها على الجنوب التونسي وعلى الاقتصاد عموماً بسبب تعطل الحركة التجارية بين البلدين لفترات متقطعة مع غياب الحلول العملية.
سنية الشيخاوي
صور: سامي غابة