بقلم صالح منوبي
كذالك الأمر بالنسبة للرجة أو الهزة و التي ،بتظافر عوامل
مختلفة متلاحقة أو مجتمعة، بإمكانها أن تصبح ثورة. و هذه
الحقيقة يؤيدها تاريخ الثورات التي شهدتها الإنسانية . و حتى
الثورات العلمية لم تشذ عن هذه القاعدة، فالثورة الصناعية
كان عمادها تزاوج العلوم الفيزيائية مع الرياضيات، و الثورة
الرقمية اعتمدت، من جهة، على إكتشاف أشباه الناقلات الذي
طور بشكل مذهل فاعلية وسائل الإتصال و على جبر «بول »
من جهة أخرى. و المتمعن في سيرورة التقدم العلمي يلحظ
بأنه يقوم على تعهد دائم بتحسين الموجود و دعم متواصل لكل
إيجابي فيه و تنقيته بإستمرار من شوائبه و هناته……
إن ما حصل في تونس له حظوظ وافرة لكي يصبح ثورة
حقيقية شاملة و خلاقة بشرط تعهدها بالتغذية السليمة و
بالتحسين، و هذا العمل الجبار هو عمل المثقفين الذين يتمتعون
بالشرف الفكري و الذين يجوعون و لا يأكلون بأقلامهم و
الذين هم مطالبون بتفسير الثورة للعامة وبعض الخاصة حتى
لا يتقيأها الناس قبل استهلاكها؛ وهو عمل الإعلام أيضاً و الذي
هو مطالب بالإبتعاد عما يطلبه الكثير من القراء و المستمعين و
المشاهدين الذين تعودت معدتهم الفكرية على البرامج المائعة
التي تشدهم إلى أسفل وتتماشى و كسلهم الذهني، و هذا يتطلب
ميلاد إعلام لا يتغذى من أموال الأحزاب و من الإشهار، و يترك
الإعلام الرجعي لبناء الشهرة للغوغائيين من أشباه السياسيين
و سائر البضائع…..إن دور المثقف اليوم لهو مصارحة الناس
بإبراز محدودية استيعابهم للكثير من المفاهيم المفاتيح التي
بدونها لا يمكنهم فهم أي شيء مما يجري و مما حدث و مما
سوف يحدث، و تكون هذه المصارحة فيها الكثير من اللباقة و
البيداغوجيا، ذلك أن هذا الدور لا يمكن للسياسي أن يلعبه لأنه
يعتبر، سياسياً، مضيعة للوقت و للجهد وهو في الأخير عائق
للوصول إلى السلطة بالسرعة المرجوة.
و إذا كان تحصين الثورة هو ما يفرزه العمل الثوري في
مرحلته الوجدانية الأولى فتحسين الثورة هو العمل الثوري
الدائم في مرحلته العقلانية.