جريدة الخبير

بين عبير موسي و كمال مرجان و محمد الغرياني: الشرخ يتعمق في صفوف التجمعيين

بقلم هشام بن هادية

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية و الرئاسية التي عينت الهيئة الوطنية العليا موعد تنظيمها خلال الثلاثي الأخير من السنة الحالية باتت حمى الاستعداد لها تتصاعد شيئا فشيئا.

و من أهم مظاهر هذه الاستعدادات بحث البعض عن التموقع و محاولة البعض الآخر على تجميع شتات  التيارات السياسية المتقارب في اطار كتل ستسعى الى تحقيق نسب عالية تغير من الثنائية غير المتجانسة التي فرضتها نتائج الانتخابات التشريعية و الرئاسية لسنة 2014 ، و هي النتائج التي فرضت تحالفا اضطراريا انعكس سلبا على البلاد و أغرقها في أزمة خانقة عصفت بكل ما حققته من مكاسب منذ الاستقلال الى حد شهر جانفي 2011 .

و لعل أبرز تجليات الحراك السياسي الحالي بروز كتلة ما اتفق على تسميتها كتلة يوسف الشاهد التي شكلت له سندا سياسيا للحفاظ على حكومته، ثم خرجت هذه الكتلة و أعلنت تكوين حزب جديد تحت مسمى “تحيا تونس” و هي تنكب على اعداد مؤتمر سيتحدد من خلاله برنامجها للسنوات الخمس القادمة و الذي ستعرضه على الناخبين. و لم تتردد هذه الكتلة للإعلان بأنها تطمح الى الفوز بمائة و تسع مقاعد (109) في الانتخابات التشريعية القادمة.

و إذا كان برنامج احداث الحزب الجديد ” تحيا تونس” قد اختطف الأضواء و طغى على الساحة السياسية منذ أواخر السنة الماضية فإن ذلك لم يخف التخبط الذي أصبح علامة مميزة لحزب نداء تونس العاجز عن انجاز مؤتمره الأول و الذي تشير كل المؤشرات الى كونه حتى و لو تمكن من عقد هذا المؤتمر فلن يكون ناجحا نظرا الى التباين الكبير بين مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي و الأغلبية الساحقة من مناضليه سواء منهم القياديون أو القاعديون.

و بدرجة أقل نجد حزب النهضة الذي برزت في صفوفه خلافات تخص تباين في المواقف و التوجهات بين رئيسه و أعضاء في مجلس الشورى.

في هذا المشهد غير المستقر للساحة السياسية مع اقتراب موعد الانتخابات و في سياق عقد “الصفقات التوافقية” لضمان أوفر نسب من الأصوات هناك جزء كبير و ربما يكون حاسما لمن سيتمكن من استمالته و الحصول على أصواته ألا وهو أصوات التجمعيين.

فالتجمع المنحل كان له نظريا على الأقل حوالي مليون ز نصف المليون منخرط و لم يتمكن من الحصول على نسبة محترمة من أصواته في انتخابات 2014 إلا حزب نداء تونس و بنسبة أقل بكثير حزب المبادرة الوطنية و الذي تمكن من الحصول على ثلاث مقاعد في مجلس نواب الشعب.

و كان من المفروض أن يقر “الزعماء” التجمعيون أسباب عدم اغتنام فرصة انتخابات 2014 التي لم يستغلوها كما ينبغي و أن يلتفوا حول بعضهم و أن يقوموا بنقد ذاتي معمق و نزيه و أن يضعوا بعد ذلك استراتيجية واضحة ليدخلوا انتخابات 201 بقوة. لكن كل هذا لم يقع فقد تعددت “الزعامات” و تبين أن ما كان يسمى تجمعا هو في حقيقة الأمر فتاتا تم تجميعها من طرف بن علي لخدمة أجنداته، أي أنه حوله من حزب يحمل فكرا و برنامجا إلى مجرد آلة لا تتحرك إلا بأوامر السلطة التنفيذية الممثلة في العمدة و المعتمد و الوالي و البقية كل ما كان هو “ماكياج” سطحي لا يحتوي شيئا يذكر.

لكن هذا لا يمنع أن البعض من اطارات التجمع مثل كمال مرجان و محمد الغرياني و البعض الآخر كان بإمكانهم تجميع شتات مناضلي التجمع و تكوين قاعدة قوية و أن يعملوا على طرح برامج تستهوي التونسيين على أمل الخروج بالبلاد من أزمتها الخانقة بتوفر العزيمة و نكران الذات مقابل الخطاب الخشبي حول الوطنية الذي أصبح سائدا حاليا.

إلا أن من اختاروا ممارسة السياسة من التجمعيين حاولوا التموقع مع أحزاب و تيارات وليدة ما بعد جانفي 2011 عوض النضال من أجل لعب دور طلائعي على غرار الحزب الدستوري و إعادة بناء ما فسد بفعل التلاعب السياسي الخبيث الذي أغرق تونس فيما تعانيه اليوم.

و المشهد التجمعي يثبت اليوم أن الشرخ يتعمق اليوم في صفوف التجمعيين و في خضم عجز “الزعماء” التقليديين للتجمع طفت على الساحة  المحامية الشابة عبير موسي التي تمسكت بانتمائها دون خوف أو مراوغة منذ الأيام الأولى لسقوط نظام بن علي و هو ما يحسب لها في مشهد غاب فيه تقريبا كل التجمعيين قواعد و قيادات، ثم بدأت عبير موسي تشق طريقها على الساحة السياسية و كونت حزبا تحت اسم ” الحزب الدستوري الحر” و جمعت حولها قواعد و قيادات في ظرف وجيز و هو ما لم يعجب الاحزاب و التيارات السياسية المختلفة و هذا طبيعي و عادي أما أن يكون ذلك محل استهجان و تحامل من طرف “زعماء” التجمع فهذا ما يبقى سؤالا كبيرا.

و ربما يمكن اعتبار ذلك منطقيا من قبل كمال مرجان لكن أن يصبح محمد الغرياني من أبرز معارضي عبير موسي و المتنكرين لها فهذا ما حيّر العديد من الملاحظين، لكن عندما نتذكر أن محمد الغرياني كان آخر أمين عام للتجمع قبل حله و أن التجمع بصرف النظر عما آل إليه مصيره بعد الثورة فإن الكل يعرف أنه كان في أواخر 2010 فارغا من كل محتوى سياسي وهو وقتها أشبه الى إدارة تصريف شؤون شعب و جامعات أبوابها مغلقة من حزب سياسي ينشط الحياة السياسية و الفكرية للبلاد…و ربما كان هذا الوضع بالنسبة لمحمد الغرياني يعتبر فراغا كبيرا بالنسبة اليه و قد كان ذلك سببا دفعه الى الارتماء في أحضان صخر الماطري و ربما أوهمه هذا الأخير أنه باستطاعته لعب دور سياسي ملفت فالتقى معه في لندن و بدأ بربط خيوط مع حركة النهضة السرية وقتها في بلاد المملكة المتحدة.

و هناك العديد من الدلائل تشير الى أن مناهضة محمد الغرياني لعبير موسي سببه خطابها الراديكالي الرافع قطعيا التعامل مع ما تعتبره هي حزب “اخوانجي” و المتمثل في النهضة.

و الخلاصة أن المشهد السياسي العام مع تذبذب و تداخل مصالح المساهمين فيه أحزابا و أفرادا كلهم في تسابق محموم لنيل مع تأجيل التفكير في الوطن. و رغم ذلك يتبين أن الشرخ في صفوف التجمعيين الدستوريين يتعمق و ربما،نعم ربما يمكن لعبير موسي أن تصمد في وجه “النيران الصديقة” التي تصيبها حاليا و تتمكن رغم كل  ذلك من عقد مؤتمر حزبها و اقناع القواعد التجمعية بصدقية مسعاها. و أملنا أن تحمل لنا الأيام القادمة اشارات على عودة الوعي الى سياسيينا بأن يتحلوا بالمقدارالكافي من الأخلاقيات بعدم اللجوء “للضرب تحت الحزام” و أن يعيدوا الأمل للتونسيين بوجود طبقة نيرة تفكر في البلاد قبل أن تفكر في أشخاصها و مصالحها الذاتية.

index

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *