ندري جيّدا أنه من أسباب الفقر و انتشار الفاقة و هبوط قيمة الإنسان عبر أرجاء الأرض عامة و في تونس خاصة سببها الغنى الفاحش و تراكم الأموال الكثيرة عند الفرد ذلك لما يخالطه البخل و الأنانية و التعالي على سائر الخلق و الانفتاح و التكبر إذ يتفق مع الجهل لانخرام التوازن الطبيعي لما أمّن الله جلّ في علاه عدله عند أهل القسط … فكانت شرائح أخرى من شرور الناس بعدها … أقبلت عليهم الدنيا بكل متاعها فبات المال حينئذ عند غير أهله … فقط لتتسع رقعة الفقر و يكبر حجم الخصاصة و تعشش على إثرها الجريمة و تفرخ … و تظهر لدى ‹ الغول « الفوارق الطبقية بتعاملاته العنصرية و تمركزه بالطابق الأعلى للتصويب و الإقصاء و العزل و القصف و التجويع و الضرب و التخسيس و التنكيس لما بدت عليه شماتة هذا المريض ليبقى حيّا في وقت يرى فيه أن الموت لا يعنيه و أسبابه لا تدل عليه…
هي عينة من مسببات الفقر في نعت من نعوت الوحوش البشرية و الحكومية و السلطاوية و أصحاب الخزائن من بني وطني و فعائلهم الذاتية للمصلحة الخاصة لتختل أنظمة التوازن من منع الزكاة و غض الطرف عن الصدقة لمستحقيها و التعالي على البائس ذي العيال و حق اليتامى و المساكين و كل من بات حاله مهلهلا …. المهم قصره الكائن هناك … و سياجه العالي و ثورته المحصنة جدا … و البقية تذهب إلى الجحيم … و لعل ثروته المحصنة جدا … و البقية تذهب إلى الجحيم … ولعل الجحيم يعرف أهله …
نحن في زمن تفاقمت فيه الأنانية و استبسلت كذلك حب الذات أما الشح فقد رمى بفروعه من الثرى إلى المتوسط إلى الفقير … كما بدا عليهم ضيق الصدر و سرعة الغضب و مظاهر النفاق
و الجمود الفكري و انعدام الثقة بالآخر و الاحتراز الشديد و الحذر المبالغ فيه و التأهب لأزمات لم تقبل بعد ….
كل هذا يرجع لكارثة و لعنة حلت بالإنسان الجاهل و قليل الزاد و الفارغ و الأجوف بأتم معنى الكلمة ذلك مما يجعله أقوى على الحرص و طول الأمل ينتظر بثقة ما في أيادي الناس أوثق منه مما في يد الله جل و علا … و هذا لما فقد المرء إيمانه بالله فصفق وجهه و ثلر غضبه و تراءى له منظر الحياة على املاءات شيفانه لما شيعه هذا اللعين إلى حيث لا يعنيه الإنسان و لا يطيقه في فطرته الطبيعية إطلاقا …
هذا و إن الخير مازال في الدنيا ما دام الليل و النهار و يبقى الصالحون هم الوارثون و مزارع الخير خير و بذور الشر شر فوالله لو رجعنا إلى أخلاق نبيّنا صلى الله عليه وسلم و رقة قلبه و رفقة بالناس في كل حال و تركه لمباهج الدنيا التي عرضت عليه بأسرها فأبى لوجدنا ضالتنا و لتبيّن لنا وجه الحقيقة من أنفسنا التي تبيّض وجوهنا في الدنيا و الآخرة لتدني القوي منا إلى الضعيف و مسح على رأس اليتيم و رعى الأرامل و شمل الشرّد هنا و هناك .. هي ذي الدنيا و لو كنا مبصرين لكن لا يستوي الأعمى و البصير كما لا يستوي الذين يعملون و الذين لا يعملون و أختم بحديث للنبي صلى الله عليه وسلم غاية في الجود و ذكاء من السائل لا نظير له في حب رسول الله و كرامته أينما كنت
« عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه و سلم ببردة منسوجة فقالت : نسجتها بيدي لأكسوكها فأخذها النبي (ص) محتاجا إليها فخرج إلينا و إنها لأزاره فقال فلان : أكسينها ما أحسنها فقال : «نعم» فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما أحسنت! لبسها النبي محتاجا إليها ثم سألته و علمت أنه لا يرد سائلا فقال « إني و الله ما سئلته لألبسها إنما سألته لتكون كفني قال سهل فكانت كفنه « رواه البخاري انتهى الحديث .
علي مبزعية