حنان العبيدي
انطلقت، الجمعة 7 ديسمبر، أشغال الدورة 33 لأيّام المؤسسة التي ينظمها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات بسوسة تحت عنوان ” المؤسسة وإصلاحات القطيعة “.
وأدرج موضوع الدورة الحالية لأيام المؤسسة ضمن تعزيز منهج الإصلاحات الهادف إلى تحقيق التقدم الاقتصادي وتوفير الإطار الذي يضمن نسبة نمو اقتصادي تتجاوز 2.5 بالمائة والتحكم في نسبة التضخم.
وتضمنت أشغال الدورة 33 لأيام المؤسسة 3 حصص تهتم بمحاور “قوانين الصرف والسياسة النقدية”، ويتعلق المحور الثاني ب “الضرائب : الموارد والضغط ” وتم في هذا السياق حوصلة الإجراءات اللازمة التي من شانها أن تخفف الضغط الجبائي والضريبي على المؤسسات والتي صارت ترزح تحت البيروقراطية وانتعاش الاقتصاد الموازي من خلال التطرق للتجارب المقارنة.
وتناول المشاركون في المحور الثالث ” قانون الشغل : الإنتاجية وهيكلة المؤسسات” كيفية إصلاح سوق الشغل.
وتواصلت أشغال الدورة إلى حدود يوم السبت 8 ديسمبر 2018، بإشراف رئيس الحكومة.
احمد بوزقندة: الرئيس السابق للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات
المؤسسات واصلاحات القطيعة ..
تم تأسيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات بإيعاز من السيد منصور معلى، بفكرة تعزيز الاتصالات والتواصل بين قادة الأعمال، وتعزيز لغة الحوار وخلق فرص لتبادل الأفكار والخبرات، بواسطة المنشورات والأحداث (المؤتمرات والندوات والاجتماعات والندوات الدراسية) التي ينظمها المعهد ليكون بذلك مكانا للدراسة وتقديم المعلومات عن الشركات.
وتم اختيار ولاية سوسة مكان قار لتنظيم أيام المؤسسة، لما تتميز به الجهة من حيث الموقع الاستراتيجي وكذلك من حيث قدرتها على استيعاب مثل هذه المؤتمرات الهامة.
من جهة أخرى يتم اختيار مواضيع الندوة من قبل الهيئة المديرة، منذ شهر جانفي وتنبني فكرة الموضوع من مستخلصات فعاليات الدورة السابقة ويتم التحضير للمؤتمر منذ ذلك الوقت، واستمد أعضاء المعهد العربي لرؤساء المؤسسات اختيار موضوع إصلاحات القطعية” كجوهر للنقاشات خلال هذه الأيام ” من الوعي بأنّ الوضعية الاقتصادية لتونس حرجة بنمو اقتصادي لا يتجاوز 2.5%
في سياق آخر، وأمام غلاء المعيشة وجب الترفيع في الأجور ولكن من ناحية أخرى يجب الترفيع في الإنتاجية، وترتبط الإنتاجية بعديد العوامل منها، العامل وصاحب المؤسسة والدولة، لذلك ارتأت أيام المؤسسة ضرورة الحديث عن قوانين الصرف والسياسة النقدية في تونس، والإصلاحات الجبائية وقانون الشغل وهيكلة المؤسسات، في علاقة بالإنتاجية، فكل العوامل مرتبطة ببعضها البعض، وبالتالي لا بد من العمل على خلق مناخ متكامل ومتماسك من شأنه المساهمة في تطوير الإنتاجية.
كما أنه في اعتقادي لا بد أن تتسم المنظومة الجبائية في تونس بالاستقرار، فهي مقابل يخصص من مرابيح المؤسسة لفائدة الدولة، على أن تقدم الدولة الخدمات اللازمة، لكن للأسف الدولة لا تقدم الخدمات العمومية على أحسن وجه، ثانيا لابد أن تتسم المنظومة الجبائية بالعدالة والشفافية، وبالتالي وجب تكريس عدالة جبائية حقيقية دون الإضرار بمردودية المنظومة الجبائية من خلال عقلنة الضغط الجبائي وذلك بتخفيض أنواع الأداءات وتعديل نسب الأداء وتوسيع وعاء الضريبة وتقليص مجال الأنظمة الجبائية التفاضلية، إلى جانب العمل على إيجاد حلول تقضي بإدماج الاقتصاد الموازي ضمن المنظومة الجبائية.
من جهة أخرى، اعتقد أن قانون المالية لا يرتكز بالأساس على الرؤى الاقتصادية والإستراتيجية، بل هو قانون مجعول فقط لسنة واحدة لا غير.
اعتقد أن تدهور قيمة الدينار مقابل عملة أخرى، مرآة لتدهور الاقتصاد التونسي، سواء من حيث نسبة النمو أو ميزان المدفوعات، وبالتالي لا نستغرب حالة الدينار في الوضع الراهن، من ذلك على الدولة أن تتجه نحو سياسة التصدير لما توفره من عملة صعبة، إلى جانب جلب مزيد من الاستثمارات الخارجية، والعمل على استقطاب السائح الأجنبي، والبحث أكثر عن مصادر العملة الصعبة.
من ناحية أخرى نجد التراجع السريع في إنتاج البترول أو الفسفاط، وانعكاسات ذلك على موارد الدولة، وبالتالي وجب العمل على الحد من الإضرابات والاحتجاجات التي ساهمت بشكل كبير في تراجع الإنتاج والإنتاجية وساهمت أيضا في تدهور الاقتصاد الوطني بشكل مباشر وغير مباشر.
علي الكعلي: مدير عام بنك ABC
لسنا في تنافس مع أي نقابة من النقابات ثم إن تحسين الإنتاجية مكسب للجميع ..!!
في الحقيقة صاحب المؤسسة في تونس يتحمل منذ سنوات قرارات السلطة التنفيذية إلا أنه له عديد الرغبات ومنها ” القطيعة ” في شكل التغيير الجوهري في ما يخص طريقة العمل وأخذ القرارات.
من جهة أخرى تعودنا على نسبة نمو لا تفوق 2%، بينما نرغب في اجتياز هذا الحاجز والالتحاق بركب البلدان المتقدمة بنسبة نمو تصل إلى 14%، وبالتالي وجب الاعتماد على طريقة تختلف تمام الاختلاف عن السابق، وفي مثال آخر نسبة البطالة في تونس بلغت حوالي 15%، والتي نسعى إلى خفضها إلى مستوى 1% أو اقل وهذا لن ينجز إلا بالقطيعة مع السياسات السابقة، والقطيعة نعني بها تغيير بالاعتماد على الإرادة وفي طريقة العمل.
وفي ما يتعلق بالمؤتمر 33 لأيام المؤسسة تم اختيار 3 محاور كبرى وهي قوانين الصرف والسياسة النقدية في تونس، الإصلاحات الجبائية وقانون الشغل وهيكلة المؤسسات، وهي نقاط تستدعي اهتمام خاص لارتباطها بالعلاقة بين صاحب المؤسسة والموظفين أو صاحب المؤسسة والمؤسسة بغاية الحوار والخروج برؤى جديدة من شأنها تغيير الواقع الاقتصادي الوطني.
أما نقطة الإصلاحات الجبائية فنتداولها من باب حفاظ المؤسسات على جانب القطاع المنظم.
وفي ما يتعلق بقانون الصرف الذي جعل لحماية المؤسسات التونسية وتمكينها من التطور، أصبح اليوم عائق أمام دخولها للأسواق المالية أو دخولها في الصبغة العالمية، مثلا في تقييم ال100 شركة أفريقية لا نجد شركة تونسية، وهنا نتساءل …لماذا ؟.
المعهد العربي لرؤساء المؤسسات هو مؤسسة بعثت لخلق أفكار جديدة وبالتالي نحن لسنا في سباق أو تنافس مع أي نقابة، كما يعتبر العامل كنز المؤسسة سواء كانت صغرى أو متوسطة أو كبيرة، وتعتبر راحة العامل أهم شاغل من شواغل المؤسسة، وبالتالي تحسين الإنتاجية يعود بالفائدة على الجميع لا فقط على صاحب رأس المال، من ذلك وجب اليوم تطوير وسائل وطرق العمل والقطيعة مع الأنماط السابقة.
ويعتمد النظام الجبائي التونسي على الرسوم الجمركية وضرائب القيمة المضافة ودخل الأشخاص وعلى الشركات ورسوم التسجيل والطابع الجبائي ورسوم أخرى توظف على النقل والتأمين وخدمات أخرى وبالتالي وجب إرساء عدالة جبائية بين مختلف دافعي الضرائب، ونشر ثقافة الدفع الضريبي في المجتمع التونسي.
وفي ما يتعلق بقانون الصرف اعتقد أنه من الأجدر اليوم إلغاؤه فرجوعا إلى التاريخ نجد أن خلق الدينار كان في أواخر الخمسينيات، وأول منشور على قانون الصرف كان في سنة 1959 تقريبا، ثم أدخلت عليه بعض التغييرات في سنة 1970، وكانت إرادة المشرع حينها حسب القراءات والخطابات في ذلك الوقت، أولا مكافحة خروج رؤوس الأموال التونسية خارج الوطن، ثانيا مكافحة التجارة الموازية، وهنا نتساءل على مدى نجاعة قانون الصرف في ما يتعلق بهاتين الحالتين؟، في هذا السياق ندرك أن قانون الصرف فشل في مسعاه.
وبالتالي أصبح قانون الصرف حاجز منيع أمام تطوير الاقتصاد الوطني، حيث أصبح يمثل صعوبة للاستثمار الخارجي، ومن ذلك وجب إلغاؤه وتعويضه بقانون جديد يضمن مناعة الاقتصاد التونسي وسهولة الاستثمار الخارجي.
امين بن عياد: عضو الهيئة المديرة IACE
الأصل هو أن تخلق الثروة قبل وضع الجباية …!!
بالحديث عن التغيير نعتقد أنه أمر معقد وذو كلفة عالية، لكن في التمعن نجد عديد المؤسسات التي حققت نجاحا باهرا في ميدانها، إضافة إلى النجاح في بعض القطاعات، ونظرا لتجاربهم ونجاحهم نحدد طريقة العمل، وبالتالي الحلول متوفرة ولابد من الشجاعة في اتخاذ القرارات والنفي مع سياسة “الدمغجة ” و” الشعبوية “، مع الابتعاد الكلي عن السياسة، فلا أعتقد أن للاقتصاد ارتباط بالسياسة، مثلا هناك مؤسسات تصدر ل80 بلدا في العالم، تخلق عديد مواطن الشغل، وتحصد المرابيح وحققت النجاح في مجالها، مع العلم أنها موجودة في نفس المناخ الاقتصادي لباقي المؤسسات، وبالتالي النجاح جائز في جميع المجالات في تونس.
من جهة أخرى وبالحديث عن مصطلح ” الإنتاجية ” وهو مصطلح أصبح يفيد “الشيطنة” للإنتاج، من باب” تعطيني إنتاجية نزيدك في الشهرية”، مع العلم أن الوضع الاقتصادي في تونس هو وضع كارثي على جميع المستويات وعلى مختلف الأصعدة والقطاعات، في ظل انعدام موارد الدولة، مما استوجب التوجه إلى التصدير من خلال مزيد من الإنتاجية، ونعني بالإنتاجية الإنتاج أكثر بنفس الموارد، من ذلك راهنت الدولة على القطاع الصناعي، ولكن في ظل نسيج اقتصادي مشتت تعد تكلفة المواد الأولية المستوردة عائق أمام هذا الرهان، فهناك شركات تقتني المواد الأولية بسعر أعلى من شركات أخرى بنسبة تفوق 15%، ومن ذلك وجب تنظيم القطاع والقطع مع التشتت المؤسساتي، لخلق مناخ اقتصادي جديد يساهم في تطوير الاقتصاد العام للبلاد.
في سياق آخر نعني بالجباية تقديم نسبة من المرابيح مقابل خدمات عمومية توفرها الدولة للمجتمع، وتعتبر الثروة أصل المرابيح وبالتالي لا بد من خلق الثروة أولا ثم تخصيص جزء منها للجباية، ولكن الموجود اليوم هو خلق جباية من شأنها تعطيل الثروة. من جهة أخرى نواجه في تونس مشكل عقلية تنبني على التهرب الضريبي، وبالتالي على الدولة أن تشتغل أكثر على نشر ثقافة الجباية.
يعد التصدير المنفذ الوحيد للخروج بالاقتصاد الوطني من الأزمة الحالية، وبالتالي علينا التفكير أولا في كيفية خلق الثروة وتحسين الإنتاجية والتوجه للتصدير، لكن تبقى سياسة الدولة وضعف الخدمات العمومية حاجزا أساسيا أمام المؤسسات الموجهة للتصدير.
ثانيا، يوجد بتونس سوقي عملة أحدهما البنك المركزي في تونس والثاني البنك المركزي ب ” رأس جدير “، ما نستنتج منه وجود منظومة مالية موازية تشتري العملة الصعبة مقابل بيع الدينار، بفارق نسبة مالية معينة عن المنظومة المالية القانونية، وبالتالي على البنك المركزي إيجاد حلول ناجعة لمنافسة هاته المنظومة المالية الموازية والغير قانونية.
وليد الشريف: خبير محاسب
نحن في حاجة إلى كثير من الجرأة للنهوض بالاقتصاد التونسي
في اعتقادي شعار الدورة 33 لأيام المؤسسة ” إصلاحات القطيعة ” موضوع ناجح ومتميز وجريء، فتونس بعد 8 سنوات من الثورة لم تتمكن من القطيعة، لا نقصد بالقطيعة تجاهل الماضي والقطع النهائي معه، بل نقصد القطيعة مع الحالة الذهنية من خلال الجرأة في النظر إلى الأمور من منطلق مختلف، سواء في الإصلاحات السياسية أو غيرها من الإصلاحات في تونس، خاصة أن الإصلاحات السياسية جاءت كردة فعل على سياسة الدولة السلطوية ما تسبب في فشل المنظومات السياسية .
في ذات السياق، طالب الخبراء المحاسبين والعديد من المتابعين للشأن الاقتصادي والشأن العام في تونس في عديد المناسبات بخلق جرأة في القرارات الاقتصادية، ولكن منذ الثورة لم نلمس هذه الجرأة وغابت الرؤى الإصلاحية من حيث القوانين المهنية والأفكار الجوهرية واستراتيجيات جديدة .
في الحقيقة الإنتاجية هي مسؤولية مشتركة، فهي مسؤولية المؤسسة في درجة أولى من ناحية توعية العملة واختيارهم وتوفير الإطار الملائم للعمل والتنمية الإنتاجية في مستوى المؤسسة وفي درجة ثانية هي مسؤولية الدولة عن طريق تطوير قطاع الخدمات العمومية، سواء الخدمات المباشرة للمؤسسة أو خدمات أخرى منها التعليم وإنتاج كفاءات من شأنها تنمية الإنتاجية وهذا غير متوفر في تونس، وهي أصبحت معضلة المؤسسات خاصة في بعض القطاعات التي أصبحت تجد صعوبات كبيرة من حيث الكفاءة المهنية، وفي درجة ثالثة تعد الإنتاجية مسؤولية من مسؤوليات العامل.
المشكل الأساسي في الجباية في تونس قبل وبعد الثورة لا يرتبط أساسا بالترفيع أو التخفيض في نسبة الأداءات، بل نشكو من غياب إصلاح جبائي شامل، ومن غياب رؤيا استراتيجية للجباية والاقتصاد، إذ أن الجباية في خدمة الاقتصاد والنمو، وهذا في اعتقادي تخبط لا يجعل من المؤسسة تعمل في أفق مستقر، مع العلم أن أي مبادرة اقتصادية هي بالضرورة في حاجة إلى نسبة من الاستقرار .
في هذا الإطار أؤكد أن الاستقرار الجبائي في تونس معدوم، لتصبح الجباية مصدر من مصادر دخل الدولة بصفة تعسفية وجائرة، حيث كل سنة تخلق آداءات جديدة أو يتم الترفيع في نسبة الآداءات السابقة وهذا ما يخلق ضغط جبائي غير مقبول.
معز العبيدي: أستاذ جامعي
أمام غياب الإرادة والجرأة السياسية… تونس غير قادرة على كلفة التغيير
تعيش المؤسسة التونسية اليوم عدة مشاكل أهمها على المستوى النقدي، انزلاق الدينار وتشدد السياسة النقدية، خاصة أن لانزلاق الدينار تأثير مباشر على كلفة التوريد وتحديد الأسعار، وكذلك تأثير غير مباشر من حيث الضغط الجبائي رهين المديونية ونفقات الدعم نظرا للوضعية المختلة لميزانية الدولة.
من جهة أخرى انزلاق الدينار له تأثير على المقدرة الشرائية للمواطن ما ينعكس سلبا على الاستهلاك وحجم معاملات المؤسسة، كما أن الترفيع في نسبة الفائدة ينعكس سلبا على الاستثمار، وعلى الشركات التي تعاني في الأصل من عامل المديونية ما يضطرها في بعض الحالات للترفيع في الأسعار.
وبالتالي بالنسبة للسياسة النقدية نجد الترفيع في نسبة الفائدة لمحاربة التضخم إلى جانب الانزلاق المتواصل للدينار، وبالتالي تدفعنا الوضعية إلى التساؤل حول إمكانية استقرار الدينار؟، واستقرار الدينار له حلان إما أولا تدخل البنك المركزي ولكن في هذه الحالة البنك المركزي التونسي لا يمتلك الاحتياطي اللازم للدفاع عن الدينار التونسي، أو الحل الثاني وهو العمل على استقرار الدينار في حالته الطبيعية أي تنتهج الدولة منهج تعويم الدينار، وبالتالي الحالة الأولى كلفة مالية وفي الحالة الثانية كلفة اجتماعية، وتونس غير قادرة على الكلفة في الحالتين، أمام غياب الإرادة والجرأة السياسية .
يتمثل المشكل الأساسي في قانون الصرف في عملية المراقبة، التي يستوجب تغييرها وتغليب طابع الثقة صلب عملية المراقبة، ولكن ماكينة الرقابة واحترام القانون لم تبلغ بعد المستوى المطلوب، خاصة أن لتدهور الخدمات العمومية انعكاسات مباشرة وسلبية على المقدرة الشرائية، سواء من حيث جودة التعليم أو النقل أو الصحة، في المقابل تحصد الدولة آداءات على الخدمات.