تصاعدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الامريكية و الصين اكبر اقتصاديين في العالم في الآونة الأخيرة لتهدد استقرار الاقتصاد العالمي و لتؤثر على معدل النمو للتجارة الدولية و معدلات التصنيع و تدفقات رؤساء الأموال و الاستثمار الأجنبي المباشر.
و تعني الحرب التجارية فرض رسوم جمركية بين دولتين او اكثر بهدف تحقيق منافع اقتصادية و حماية الصناعة الوطنية و رفع معدل التصدير و فرض الهيمنة الاقتصادية.
و تعود الأسباب الحقيقية لهذه الحرب الى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتهم قبل أشهر شركة هواوي الصينية بتيسير عمليات تجسس لصالح بكين عن طريق معدات اتصالات خاصة بها، لكون هواوي واحدة من العناصر الفاعلة في مجموعة الخمسة، وقطاعا حاسما لمستقبل سوق الاتصالات المتنقلة والتكنولوجيات الجديد..
وتخوض الصين والولايات المتحدة الامريكية في الواقع تحت غطاء الحرب التجارية تنافساً شرساً في مجال التفوق التكنولوجي فهي حرب تكنولوجية أكثر من مجرد حرب تجارية لكسب الهيمنة في المجال التكنولوجي.
و قد بدأت الحرب منذ تولي دونالد ترامب
رئاسة الولايات المُتحدة الأمريكية فقد كان من الواضح أن هذا الرئيس المُثير
للجدل المُحب للصدام ستتنامى معه الحرب الاقتصادية بين الولايات المٌتحدة
والصين فتلك الحرب ما لبثت وأن طال صداها وامتد لأبعد من السياسة و الاقتصاد لتنال
من الشركات التقنية
فقد عانت شركة هواوي التي اتهمتها الحكومة
الأمريكية بالتجسس لصالح الحكومة الصينية الأمرّين من العداوة بين الحكومتين
الصينية ونظيرتها الأمريكية فبعيداً عن فرض الرسوم الجمركية الباهظة المُتبادلة
بين الحكومتين و كان لهواوي نصيبها من تلك الحرب حيث كانت الضربة الأولى التي
تلقتها الشركة يتمثل في اعتقال المُديرة المالية لهواوي من قبل الحكومة
الكندية بإيعاز من الولايات المُتحدة بعد توجيه اتهامات لها بالتعامل مع
شركات إيرانية وهو ما يخالف العقوبات المفروضة من قبل الحكومة الأمريكية على
نظيرتها الإيرانية إضافة الى المرسوم
الرئاسي بحظر الشركات الأمريكية التجارة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية مع
الشركات الأجنبية التي تعبر خطراً على الوطن واعتبر العديد من الخبراء أن هذا
القرار يستهدف هواوي، كما أنه قد يكون له آثار سلبية على العديد من الشركات
التكنولوجية التي تورد المكونات الإلكترونية المستخدمة في منتجاتها.
وقد استمرت الحكومة الأمريكية بعد ذلك في فرض الضرائب والتعريفات الجمركية على البضائع والواردات الصينية وكذلك كان رد الفعل مماثل من الحكومة الصينية ليزداد المشهد تعقيدا.
و اكدت الصين يوم الجمعة 31 ماي 2019 أنها ستصدر قائمة سوداء للأفراد والشركات الأجنبية “غير الموثوق بها” في ردّها على استهداف الولايات المتحدة لمجموعة “هواوي”. ويأتي الإعلان قبل يوم من زيادتها الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الأميركية بقيمة 60 مليار دولار، في أسبوع هيمنت عليه تهديدات صينية متصاعدة بالرد على إدراج الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجموعة هواوي العملاقة على القائمة السوداء.
وفي 16ماي 2019 أدرجت وزارة التجارة الأميركية مجموعة هواوي على ما يسمى “قائمة الكيانات” لأسباب مرتبطة بالأمن القومي، وهو ما يعني منعها من الحصول على المكونات أميركية الصنع التي تحتاجها لمعداتها. لكنها منحتها لاحقا مهلة 90 يوما قبل بدء تطبيق الحظر.
وفي نفس الإطار أعلنت وزارة التجارة الصينية أنها ستصدر “قائمة كيانات” خاصة بها وقال الناطق باسم وزارة التجارة الصينية جاو فينغ إنه “سيتم إدراج شركات أجنبية ومنظمات وأفراد في قائمة للكيانات غير الموثوق بها ممن لا يمتثلون لقواعد السوق وينحرفون عن روح الاتفاق ويفرضون حظرا ويتوقفون عن تقديم الإمدادات للشركات الصينية لأغراض غير تجارية ويضرّون بشكل كبير بالحقوق المشروعة ومصالح الشركات الصينية”. وأوضح أنه سيتم الإعلان قريبا عن تفاصيل الاجراءات المرتبطة بالقائمة الصينية.
وتبدو الخطوة الصينية لوضع “قائمة كيانات” خاصة بها وسيلة للضغط على الشركات الأجنبية للمحافظة على علاقاتها التجارية بهواوي. وتشير تقارير إعلامية إلى أن واشنطن تدرس إدراج عدة شركات صينية متخصصة في مجال المراقبة إلى قائمة الكيانات للاشتباه بارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان.
وكانت “جوجل” التي تعد منظومتها التشغيلية “أندرويد” غاية في الأهمية بالنسبة لهواتف هواوي بين الشركات التي أعلنت أنها ستلتزم بالقرار الأمريكي.
ونقلت صحيفة “غلوبال تايمز” الرسمية عن جاو قوله إن “بعض الكيانات الأجنبية انتهكت قواعد السوق المعتادة وروح العقود التي أبرمتها” لقطع الإمدادات و ” اتّخاذ اجراءات تمييزية أخرى بحق الشركات الصينية تضر بحقوقها ومصالحها المشروعة وتعرّض أمن الصين ومصالحها القومية للخطر”.
وأُقحمت هواوي إلى صلب النزاع التجاري إذ أشار ترامب إلى احتمال أن يشمل أي اتفاق شركة معدات الاتصالات العملاقة اذ تصّر واشنطن على أن المجموعة مرتبطة بشكل وثيق بحكومة الصين وحذّرت من احتمال استغلال أجهزة الاستخبارات الصينية لمعداتها لكن هواوي ثاني أكبر شركة مصنّعة للهواتف الذكية والرائدة في مجال تطوير شبكات الإنترنت من الجيل الخامس (5جي)، نفت الاتهامات بشكل قاطع.
ويأتي الإعلان الصيني في أعقاب حرب كلامية تزداد حدتها مع اتهام مسؤولين صينيين الولايات المتحدة بممارسة “إرهاب اقتصادي مكشوف” و”الكذب” بشأن تداعيات الرسوم الجمركية على اقتصاد الدولة الآسيوية. واستأنفت واشنطن وبكين معركة الرسوم بينهما في شهر ماي المنقضي بعدما انتهت المحادثات التجارية في واشنطن بدون اتفاق مع اتهام الجانب الأميركي للمفاوضين الصينيين بالتنصل من التزامات سابقة وتبادل البلدان حتى الآن فرض رسوم جمركية على سلع بقيمة 360 مليار دولار.
وزاد ترامب بأكثر من الضعف الرسوم العقابية على منتجات صينية بقيمة 200 مليار دولار لتصبح نسبتها 25 بالمئة وأطلق اجراءات تستهدف باقي الواردات من الدولة الآسيوية. وردت بكين بزيادة الرسوم على بضائع أميركية بقيمة 60 مليار دولار في قرار يدخل حيّز التنفيذ في الأول من شهر جوان المقبل. ويبدو أن الرسوم الأميركية أثّرت على أنشطة التصنيع الصينية التي تراجعت أكثر من المتوقع هذا الشهر، وفق بيانات رسمية صدرت الجمعة. ويشير خبراء إلى أن المستهلكين والمستوردين في في الولايات المتحدة يتحملون العبء الأكبر من تداعيات الرسوم على المنتجات التي تدخل إلى البلاد.
وسترد الصين بفرض رسوم تتراوح نسبتها من خمسة إلى 25 بالمئة على 5410 منتجًا وتشمل منتجات التجميل والمعدات الرياضية والآلات الموسيقية والنبيذ والألماس والخشب والأقمشة والألعاب.
وأشارت وسائل إعلام صينية رسمية في وقت سابق إلى أن بكين قد ترد بوقف تصدير المعادن النادرة للولايات المتحدة ما يعني حرمانها من مواد أساسية مستخدمة في صناعة كل شيء انطلاقا من الهواتف الذكية والتلفزيونات ووصولا إلى المعدات العسكرية وبحسب مركز المسح الجيولوجي الأميركي ساهمت المناجم الصينية في إنتاج 71 بالمئة من المعادن النادرة في العالم سنة 2018 مقارنة ب80 بالمئة في 2017 و95 بالمئة قبل عقد وبإمكان وقف هذه الصادرات للولايات المتحدة أن يعطي لبكين ورقة ضغط في المحادثات التجارية في وقت توفر الصين 80 بالمئة من المعادن النادرة التي تستوردها الولايات المتحدة و لكن محللين يشيرون إلى أن الصين قد تتردد في استخدام هذه المواد كسلاح إذ من شأن ذلك أن يسرّع عملية البحث عالميا عن مصادر بديلة للمعادن النادرة.
وفي هذا الإطار، اعد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الاونكتاد دراسة جديدة حول الحروب التجارية الدولية وتأثيرها على الاقتصاديات النامية و تداعيات الارتفاعات القائمة في التعريفات بين الولايات المتحدة الامريكية و الصين.
و أوضحت الدراسة ان 82 بالمائة من الصادرات الصينية الخاضعة للتعريفات الامريكية و قيمتها 250 مليار دولار ستلتقطها شركات في دول أخرى و ستحتفظ الشركات الصينية بنسبة 12 بالمائة و تحصل الشركات الامريكية على نسبة 6 بالمائة فقط كذلك فان قرابة 85 مليار دولار من الصادرات الامريكية الخاضعة لتعريفات الصين ستستحوذ على 85 بالمائة منها شركات في بلدان أخرى بينما ستحتفظ الشركات الامريكية باقل من 10 بالمائة فيما تستحوذ الشركات الصينية على نحو 5 بالمائة مرجحة زيادة صادرات الاتحاد الأوروبي لتستحوذ على 70 مليار دولار من التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة و الصين و ستحصل كل من اليابان و المكسيك و كندا على اكثر من 20 مليار دولار.
و حذرت الدراسة من احتمال تصاعد التوترات التجارية لتصبح حروب عملات ما يجعل من الصعوبة بمكان سداد الديون بالدولار، وأكدت ان التراجع الاقتصادي غالبا ما تصاحبه اضطرابات في أسعار السلع الأساسية والأسواق المالية والعملات وسيكون لذلك تداعيات مهمة على البلدان النامية.
في ظل كل هذا، يستند خبراء اقتصاديون إلى ملامح اقتصادية واضحة باحتمال حدوث أزمة اقتصادية كبيرة خلال عامي 2019 و2020 ترتكز أولاً على توقعات صندوق النقد الدولي إذ تراجعت معدلات النمو في العالم العام الحالي مقارنة بالعام الماضي بشكل كبير، سواء بالولايات المتحدة أو بمنطقة اليورو التي خفض توقعه لنسبة النمو فيها من 1.9بالمائة إلى 1.6 بالمائة أو حتى بالدول النامية أو المتحولة خاصة الصين وروسيا.
إضافة الى ارتفاع مستويات الدين العام والخاص عالمياً خلال العام الأخير إلى أعلى مستوى له في التاريخ مسجلاً 237 تريليون دولار كما ارتفعت نسب معدلات الحمائية (السياسة الاقتصادية لتقييد التجارة بين الدول من خلال طرق مثل رفع الرسوم الجمركية).
وفي حالة استمرار الخلاف التجاري الأمريكي الصيني، يرى بعض الخبراء الاقتصاديين انه سيترتّب عليه ضعف الطلب الصيني على النفط الخليجي وإسهام صادرات النفط الصخري الأمريكي وإفشال خطة منظمة أوبك لخفض إنتاجها النفطي والذي سيؤدي بالتالي لتراجع سعر النفط العربي ما سوف ينعكس على الموازنات العربية المصابة أصلاً بالعجز لتزيد نسب العجز بها. ومع تزايد العجز بالموازنات وبالحسابات الجارية العربية ستتباطأ وتيرة المشروعات الخليجية وهو ما سينعكس على الصادرات العربية إلى الخليج وعلى زيادة معدلات البطالة وكذلك تراجع تحويلات العاملين العرب بدول الخليج وهي التحويلات التي تعتمد عليها دول عربية كثيرة مثل مصر وتونس والأردن ولبنان والسودان وغيرها.
ويعتقد الخبراء أن ارتفاع المديونيات الدولية سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض الدولي للدول العربية سواء من البنوك الدولية أو في حالة طرح سندات دولية خاصة مع توقع تراجع التصنيف الائتماني لها بسبب تراجع معدلات النمو وتزايد العجز بالموازنات والموازين الجارية وتوقع هبوط عملات العديد من الدول العربية كمصر والجزائر وتونس والمغرب.
بحسب خبراء الاقتصاد ستكون هذه الأزمة أصعبَ من الأزمة المالية العالمية عام 2008 ولكن تأثيرها على دول العالم لن يكون متشابهاً إذ ستختلف نسبة الأضرار بين الدول المصدرة للنفط وبين غيرها من الدول.
وإذا سلَّطنا الضوءَ على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ستكون الدول الأكثر تضرراً هي الدول العربية غير النفطية وستجد نفسَها عاجزة عن الاقتراض ومضطرة لرفع أسعار الفوائد مما سيزيد نسب البطالة والفقر المدقع الآخذ في الازدياد أصلاً. وستكون مرشحة لمزيد من التوترات الداخلية ولَربما إلى حدوث هزات سياسية كبيرة، ومن هذه الدول تونس والمغرب والسودان ومصر…
نجوى السايح