لو انا أردنا أن نقيّم الثورات العربية – لقلنا : اذا فيها من النجاح والنجاح النسبي والفشل المدقع
وعلّ ليبيا في ثورتها دفعت الثمن باهضا وستدفع الان وفي المستقبل أثمانا كبيرة فوق الموائد. أثمانا قدّرها الغرب وعمل لاتاحة الفرصة له بتخطيط ودهاء ساعدناه نحن العرب في انجاحه وبكل حزن أقول انّ ليبيا غطست في أوحال يعلم الله الخلاص منها كيف ومتى؟
الغرب خطّط ودبّر وحزم أمره للهيمنة على ليبيا تحت ذريعة محاربة «داعش» الابن الغير شرعي الذي أنجبه ورعاه ورمى به الى العالم العربي خاصة – لينمو- وحين علم أن العرب لا طاقة لهم على الدواعش استغلّ الموقف وجعل ليبيا مقصدا له وعينه على تدميرها وتفكيكها والهيمنة عليها واستغلال ثرواتها الهائلة من البترول والغاز ومواد أخرى يعرفها الغرب.
وسنجمل القول : أن ليبيا أصبحت واقعيا ثلاث دويلات جنوبها لفرنسا وغربها لأمريكا وشرقها لايطاليا والغرب بهيمنته على ليبيا يهيمن على افريقيا كلها والمغرب العربي بل حتى مصر أصبحت في متناوله أما الجزائر فهي المحطة الكبرى والموضوع الأكبر أهمية.
أما نحن في تونس فانّا نقول: «اننا كقافلة تمر تحت مطر غزير» سنخسر في كل الحالات وعلينا أن نفكر في جبر الضرر قبل أن نفكّر في جمع الربح . فنحن بلد صغير جغرافيا – متواضع الثروة –متراجع السياسة، بلد مختنق بين بلدين أحدهما أصبح تحت السيطرة «ليبيا» وبلد في حالة الترويض «الجزائر» وأي مكروه يصيب البلدين لا سمح الله سيصيبنا بشكل مباشر على أن الغرب على ما يعرف عنا من الضعف يعرف عنا من القوة ويعلم أن قوة تونس تكمن في شعبها بوعيه وثقافته وتماسكه وانسجامه المدني وتضامنه ونسيجه الموحّد. وهذه قوة مميزة لا تمتلكها أكثر شعوب الأرض بل يكاد يتفرّد بها الشعب التونسي دون الاخرين .
في النهاية، ان ليبيا بأفضليتها عند الغرب من دون دول العرب أمر بديهي ومعروف – يعرف الغرب ذلك ويعرف الأسباب ولكنه لا يعرف الشعب الليبي فهو على قلة عدده شعب لا يروّض مطلقا ولا يذعن اطلاقا للأجنبي وانّه سيعود لالتحامه المعهود وسيقف في وجه أي دخيل وسينسى صراعاته الداخلية ويتوجه بكل قوة الى محاربة الدخيل مهما كان صدق نيته وسيغرق الغرب كله في بحار الرمل وسيذهل لقوة الشعب الليبي وسيندم على فكرته الخبيثة التي دبرها ذات يوم بقوله : ان العرب هم الذين دمروا أنفسهم ونحن جئنا لانقاذ ما تبقى منها وحمايتها من الفناء. ومن الأخلاق والواجب أن نحمي هذه الامة وسنلقّنها المدنية من جديد ولكن الغرب يخطئ في حساباته لأنه لا يعرف أسرار هذه الأمة وقوتها التي تخلصت من كل عقد الضعف والهزيمة . فنحن كأمّة قد نزعنا الخوف لأنه لم يبق لنا ما نخاف عليه. أما الغرب فسيخسر كل شيء لأنه لم يخسر من قبل.
ملاحظة: الدكتور خير الدين بالقروي في رحلة علاج، بفرنسا- وأخوته المناضلون الشرفاء يتمنون له الشفاء العاجل والعودة الميمونة.