تونس ليست بلدا للتضخم فهي ليست شبيهة بدول أمريكا اللاتينية أو تركيا التي يصل فيها التضخم أحيانا لنسبة 50%.
منذ 1962 إلى حدود السنوات الأخيرة نجد أن معدل التضخم لم يتجاوز 5.3%.
و يمثل التضخم في تونس مدة التحول السياسي في العشر سنوات الأخيرة مشكلة كبيرة إذا ما قارناها بالعشر سنوات التي تسبقها، أين كنا نصل لنسبة 2% تضخم فقط… فماذا حدث بعد هذا الانتقال السياسي؟
ما حدث هو أننا شهدنا العديد من الانفلاتات على مستوى الأسعار و الأمن والسياسة إلى درجة تشتت القرار السياسي و هو ما خلق نوعا من الاضطراب في المنظومة الاقتصادية ككل، وهو ما أدى إلى ارتفاع التضخم و انفلات في سعر الصرف بتدحرج الدينار التونسي.
ويستفحل التضخم بسبب سوء السياسة النقدية، بمعنى أن الأموال كثيرة ونسق ارتفاعها قد فاق نسق ارتفاع النمو، أي أن الإنتاجية لا تساير نسق نمو الأجور، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة المنتوج. إذن مصادر التضخم المرصودة في فترة العشر سنوات الأخيرة كارتفاع الأجور وتخفيض العملة، زد على ذلك ارتفاع أسعار الطاقة على المستوى العالمي… وهو ما يضعنا في فوهة مخاطر التضخم، وبالتالي تضعنا كل هذه المتغيرات المحلية والعالمية أمام التضخم المستورد، و هو ما أثر سلبا على التوقعات الاستباقية للمتعاملين الاقتصاديين الذين يسعون للمحافظة على هوامشهم الربحية دون تسجيل أدنى خسارة.
القضاء على التضخم رهين التحكم في كتلة النقود
تعتبر نتائج التضخم و نسبه التي ترتفع يوما بعد يوم نتاجا لإجراءات الترفيع في أسعار الطبخ و المحروقات و الكهرباء و الماء… علما و أن هذه الزيادات تمر مباشرة إلى الأسعار.
أما فيما يتعلق بمؤشرات معهد الإحصاء، فتعتبر ناقصة لأن المعهد لا يحرص على احتساب التضخم بدقة، إذ لا يركز على التفرقة بين ما يتم استهلاكه يوميا و ما يتم استهلاكه مثلا شهريا، و إذا تم إدخال ما يستهلكه التونسي مرة كل شهر أو ما يزيد، فربما نستطيع في النهاية الوصول لمؤشر حقيقي و واقعي.
ارتفعت أسعار التبغ و المشروبات بنسبة 19% و إذا تم إعلام المواطن بهذه الزيادة سنجد أنه يتفهمها و يعيها جيدا، لأنه يستهلك هذه المنتوجات يوميا، و يتعلق مؤشر المعهد الوطني للإحصاء بمنتوجات تحتوي على أسعار قارة، و أسعار تتغير بشكل دائم، و هو ما يفسر نسبة 6.2 و تضرر القدرة الشرائية للمواطن الذي لم يعد قادرا على تأمين حاجياته اليومية بسبب ارتفاع الأسعار.
يعتبر البنك المركزي مسؤولا عن المحافظة على استقرار الأسعار، في علاقة مع تطبيق السياسة النقدية، لأن هناك علاقة تاريخية بين التضخم و كتلة النقود التي إذا فاقت الإنتاج فإننا سنجد أنفسنا وسط ظاهرة التضخم.
يراقب البنك المركزي بحرص شديد في تطبيقه للسياسة النقدية كتلة النقود، لأن التضخم في الأساس ظاهرة نقدية، فإذا تم التحكم في كتلة النقود و جعلها مسايرة لنسق تطور الإنتاج، سنكون قادرين على السيطرة على التضخم.
من جهة أخرى لدينا الإشكاليات الخارجية كارتفاع أسعار البترول أو الحديد أو النحاس… و هو ما نعبر عنه بالتضخم المستورد، و هنا نجد أنفسنا عاجزين تماما عن التصرف.
لدينا أيضا إشكاليات مرتبطة بسعر الصرف و الأجور.. و كل هذه العوامل تفرز في نهاية المطاف ما يعبر عنه بالتضخم.
و من أجل مقاومة التضخم يجب على البنك المركزي النهوض بمهمته الأساسية و هي الحفاظ على استقرار الأسعار، عن طريق التحكم في نسبة الفائدة. و تبلغ نسبة الفائدة في تونس 6.25 و أما نسبة التضخم فتبلغ 6.2 و من أجل الحفاظ على المقدرة الشرائية يجب أن تفوق نسبة الفائدة نسبة التضخم دائما و أبدا.
عند الترفيع في نسبة الفائدة، تنخفض الأموال.. و بهذه الطريقة يسيطر البنك المركزي و يقضي على التضخم.. كما يجب على السلطات النقدية أن تتواصل مع المواطنين، فخروج محافظ البنك المركزي، و إدلائه بكلمة للمواطنين، و كشف مآل نسبة الفائدة قادر على تطمين المواطنين، هذا عدا التأثير على السوق.
استهداف التضخم منوط بإرساء اقتصاد ونظام مصرفي متين
تم القيام بعمل جبار على مستوى البنك المركزي.. و تعتبر مواجهة التضخم خيارا من جملة العديد من الخيارات المرتبطة بالسياسة النقدية، و نجد بلدانا تقوم بتحديد نسبة التضخم بحيث لا تتجاوز على سبيل المثال 3% مثل البنك الإنجليزي و غيره…
نحن في تونس اليوم بصدد التحضير من خلال إعداد الأدوات اللازمة، على مستوى البنك المركزي لتوقع مستويات التضخم، هذا و نملك سلفا أدوات خاصة بتقدير نسب النمو. و عندما نتمكن من إرساء اقتصاد و نظام مصرفي قوي و متين.. حينها فقط سنصبح قادرين على استهداف التضخم و لما لا القضاء عليه تماما.
يجب على كل جهة القيام بدورها حتى تتضح الصورة
لا بد لنا اليوم من توضيح المسؤوليات، و عليه فالسياسات العمومية مسؤولة عن توفير الإنتاج، و تحسين التنافسية، و تحفيز القطاعات القادرة على إنعاش الإقتصاد.. لابد للدولة أيضا من القيام بدرها الطلائعي من أجل فتح الآفاق.