طرُق محاربة الفساد متعددة… ورغم تعددها إلا أنه يجب استعمال الكثير منها بشكل متوازي من أجل النجاح في عملية محاربة الفساد، وقد تم استخدام الرقمنة للحد من استخدام السلطة التقديرية، بما هي إشكال كبير وسبب رئيسي في الفساد.. لذلك يجب الحد من السلطة التقديرية خاصة لدى جمهور الإداريين، و التعويل أكثر على الرقمنة التي من شأنها أن تحد من تفشي ظاهرة الفساد، كما يجب أيضا الارتكاز على مبدأ الشفافية في مقاومة الفساد، فعندما يكون هناك تكافؤ في النفاذ إلى المعلومة ينتُجُ عنه تكافؤ في الفرص.
كما لا يمكن الحديث عن مقاومة الفساد بدون تحرير القطاع و الاقتصاد من القيود القانونية المُكّبّلة، وترك الشفافيه تقوم بدورها التنظيمي لأنه ليس في إمكان الدولة أن تكون متواجدة كعين رقيبة في كل مكان… و في نهاية المطاف تتم محاربة الفساد بطرق استباقية.
ويتم أيضا الحد من الفساد عن طريق إنعاش الاقتصاد، وإعادة الحياة للطبقة الوسطى، وفي هذا السياق نؤكد بأن التقنين والتدقيق والمحاسبة ليست هي الوسيلة الوحيدة لمحاربة الفساد، بل هي إحدى الوسائل الثانوية التي تعتمد الزجر و المعاقبة.. ذلك أن هناك عديد الطرق الأخرى لمحاربة الفساد، ونملك في تونس ترسانة قانونية، ولكنها للأسف غير مُطبقة.و منذ 25 جويلية عقدنا الخطوات الأولى على مقاومة الفساد لكن للأسف لم تساهم الحكومات المتعاقبة في محاربة الفساد، حيث بقي هذا الأمر مجرد كلام فارغ في غياب تام للفعل.. وأصبحنا نخشى أن تصبح محاربة الفساد في تونس هي منبع الفساد، فمحاربة هذه الآفة لا يجب أن تكون في شكل ابتزاز للفاسدين، ولا يجب أيضا إرهاق منظومة المراقبة.
يجب إرساء اقتصاد مبني على مؤسسات شفافة و رقمنة شاملة، وبالتالي سيتم حذف كل ما يمكن أن يساهم في تضخم و انتشار الفساد، وبالتالي حذف كل مقومات الفساد الذي لن يجد أرضيّة خصبة ليترعرع فيها.
ما نلاحظه مؤخرا في تونس أن هناك تغليبا للشكل على اللب، فليس من المعقول مثلا أن نُطالب الإداريين وأعضاء مجلس النواب أن يصرحوا بمكاسبهم.. لأننا بهذه الطريقة نكون قد أغرقنا الإدارة بالشكل و ضيّعنا اللب والجوهر!
يمكن محاربة الفساد عن طريق تغيير طريقة التصريح على الدخل، فالتونسي يصرح على الدخل بطريقه فرديه لا عائلية، وبالتالي تصبح المعلومات مرتبطة بالفرد في معزل عن الأبناء والزوجة، و هذا يساهم في غياب الشفافة.
لدينا أيضا ما يسمى بالفساد الكبير مع تأجيل الدفع، وهذا الفساد هو الأكبر والأخطر على الإطلاق في الدول النامية، حيث نجد بعض إطارات الدولة في البلدان النامية يشتغلون لمدة سنوات في قطاعات حساسة كالفلاحة والصناعة والمناجم… التي تكون في علاقة بشركات محلية أو أجنبية وتعطي بعض إطارات الدولة فرصا استثنائية قانونية أحيانا وغير قانونية أحيانا أخرى، أو قانونية ولكنها غير أخلاقية… يتم إعطاء فرص لهذه الشركات تحصل بموجبها على إمكانيات عمل استثنائية, ثم نجد هؤلاء الأشخاص بعد سنوات على رأس شركات استشارية، أو خبراء لدى تلك الشركات التي تم منحها الفرص.. وهنا نتساءل ما إن وقع توظيف هؤلاء بموجب انتهاء فترة العمل لدى هذه الشركات، وبالتالي توظيفهم لخبرتهم، أم وقع توظيفهم بموجب بعض الامتيازات التي وقعت، ويتم في تونس كالعديد من الدول النامية تركيز المراقبة أثناء سنوات الشغل بالإدارة، لكن المراقبة تغيب وتنتهي بانتهاء سنوات العمل والتقاعد، فلا تتم مراقبة الموظف بعد تقاعده، لذلك يجب توفر دليل ممارسة للحكم الرشيد داخل الشركات، ودليل لأخلاقيات العمل على مستوى الشركات الكبرى والوطنية