جنات بن عبد الله ل ” الخبير “
الباحثة جنات بن عبد الله صاحبة كتاب” القطاع السمعى البصري من منظور الاتفاق العام لتجارة الخدمات و واقعه في تونس ” هي اليوم رئيسة قائمة بيئية تدخل سباق الانتخابات التشريعية صحبة مجموعة من أبناء جهة أريانة.
من هذا المنظور كان لنا معها الحوار التالي :
ماهي اهتمامات و نشاطات جنات بن عبد لله خاصة و أنك ناشطة في الميدان الإعلامي من التدريس إلى العمل الحكومي دون أن ننسى نشاطك الأصلي و العمل الصحفي ؟
التحقت بجريدة “الصباح” في سنة 1984 مباشرة بعد حصولي على الإجازة في العلوم الاقتصادية من كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بتونس ، وقد كان ذلك بمحض الصدفة حيث دخل الاقتصاد التونسي في تلك الفترة في عهد الوزير الأول محمد مزالي في مرحلة تقشف ولم يكن هناك مواطن شغل لأصحاب الشهادات العليا . ومع تزامن تخرجي مع طلب جريدة “الصباح” لصحفيين في المجال الاقتصادي تقدمت بمطلب حضي بالموافقة من قبل أستاذنا السيد عبد اللطيف الفراتي . وقد قبلت الالتحاق في تلك الفترة بأسرة التحرير على أن أبحث عن شغل أخر يتناسب مع إجازتي في مرحلة لاحقة إلا أن هذه المرحلة لم تأت بعد حيث عشقت مهنة الصحافة وأصبحت أسيرة لها لأنطلق في مهنة المتاعب وأقضي فيها ثلاثين سنة ، نعم مرت اليوم ثلاثون سنة على أول مقال حررته في جريدة “الصباح” وقد كان لي شرف التأطير من قبل المرحوم محمد قلبي كما كان لي شرف الاحتكاك بأساتذة الصحافة التونسية وتلامذة المرحوم الهادي العبيدي وهم السادة عبد الجليل دمق رحمه الله وعبد اللطيف الفراتي وصالح الحاجة أطال الله في عمرهما .
التمرن على الكتابة الصحفية لم يكن بالأمر السهل خاصة وأنا انتمي إلى اختصاص العلوم والرياضيات ولكني اصريت على إتقان هذه المهنة واعتبر نفسي قد كسبت الرهان ونجحت رغم العراقيل وسياسة الإقصاء التي مارسها النظام السابق معي خاصة بعد تحولي إلى جريدة “الصحافة ” التابعة لمؤسسة “سنيب لابراس” في سنة 1997 حيث تفنن آنذاك رئيس التحرير في إقصائي وجمدني في سنة 1999 .
بفضل هذا الإقصاء عرفت مسيرتي المهنية تحولا كبيرا حيث عزمت على الرجوع إلى الجامعة للحصول على ماجستير في التجارة الدولية من المعهد الأعلى للتصرف في سنة 2002 ثم الحصول على الماجستير في الاقتصاد في سنة 2006 من كلية العلوم الاقتصادية والتصرف بتونس .
كنت من أول الصحافيين الذين اختصوا في الشأن الاقتصادي حيث كلفت في سنة 1994 وبعد خروجي من جريدة “الصباح” والتحاقي بجريدة “الرأي العام” ببعث أول ملحق اقتصادي باللغة العربية لأكلف ببعث الملحق الاقتصادي لجريدة “الصحافة” تقريبا في سنة 1998.
ومند سنة 1999 كلفت بإنتاج برامج اقتصادية لفائدة الإذاعة الوطنية وإذاعة تونس الثقافية والقناة التلفزية ” الجنوبية” مع الخبراء الاقتصاديين والماليين من تونس والخارج بعد الثورة .
درست مادة الاقتصاد لمدة خمس سنوات بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار.
ولي مؤلف باللغة العربية حول القطاع السمعي البصري في تونس من منظور اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة .
شاركت في عديد الدورات التكوينية بما في ذلك دورة تدريبية بالقناة التلفزية الإخبارية الأمريكية “سي–أن–أن ” وذلك في إطار إعداد البحث للحصول على ماجستير في التجارة الدولية في سنة 2001 وقد تزامن وجودي بالقناة مع قرار تسريح عدد من الصحفيين في إطار استراتيجيه القناة الرامية إلى اندماجها مع مجمع “تايم وارنر” وقد تابعت ظروف المفاوضات وتداعيات ذلك على العمل الصحفي .
بعد الثورة وبالتحديد مع حكومة الترويكا الثانية تم تعييني بديوان وزير التجارة والصناعات التقليدية مكلفة بمهمة ومستشارة في الاعلام الا أن التجربة اقتصرت على خمسة أشهر حيث فضلت العودة الى الصحافة بسبب صعوبة التعامل مع الوزير .التجربة في ديوان وزارة التجارة والصناعات التقليدية كانت ثرية حيث مكنتني من متابعة العمل في الضفة المقابلة لصناعة الخبر وهي ضفة اتخاذ القرار السياسي وبلورة المعلومة المناسبة وبثها إلى وسائل الإعلام باعتبار صفتي كناطقة رسمية للوزارة .
شاركت كمدربة في عديد الدورات التكوينية لفائدة الصحافيين كان أخرها في نهاية سنة 2013 وبداية سنة 2014 مع مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث “كوثر” والمؤسسة الأمريكية “انترناشيونل بادجيت بارتنرشيب ” حول ميزانية الجمهورية التونسية لفائدة الصحافة الوطنية والجهوية وذلك في أربع دورات كل دورة بثلاثة أيام .
شاركت في عديد الدورات التكوينية في تونس حول السياسة النقدية (2005) والنفاذ إلى الأسواق في ظل أحكام اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة (2005) والمعاملات في بورصة تونس (1997) وميزان المدفوعات (1997) . وفي الخارج بواشنطن مع البنك الدولي حول الخوصصة (1996) وأطلنطا بقناة السي– أن–أن (2001) ، وبجينيف مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية حول الملكية الفكرية ( 2002) وبرشلونة مع مفوضية الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية الشراكة (1995) وفي عدد من البلدان العربية .
كما شاركت في عديد التظاهرات الاقتصادية والتجارية والمالية بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وأسيا ودول الخليج والبلدان العربية وإفريقيا. ورافقت بعثات رجال الأعمال إلى مصر وسوريا والأمارات وإيران والجزائر والسنغال وسنغافورة وماليزيا ولندن وبروكسال .
فاجأت الرأي العام بالترشح للانتخابات التشريعية ألا يتضارب ذلك مع مبدأ الحياد الذي دافعت عنه ؟
لا يمكن الحديث عن عنصر المفاجأة إلا للذين لم يقرؤوا لجنات بن عبد الله أو الذين لا يعرفونها . واحترام مبدأ الحياد حتم علينا منذ ثلاثين سنة ممارسة السياسة بصمت رغم أننا مسؤولون عن صناعة الرأي العام وتشكله . الحياد والاستقلالية هما عنصر قوة كل صحفي محترف ،وأنا لست مستعدة للتضحية بهما لذلك قبلت الدخول في الانتخابات التشريعية في قائمة مستقلة ورفضت الالتحاق بأي حزب سياسي مع احترامي لكل الأحزاب السياسية في تونس . ودخولي هذه الانتخابات هو تجسيد لقناعات أمنت بها طوال مسيرتي المهنية وأحاول اليوم تحويلها إلى حقيقة . وأول هذه القناعات تتمثل في المساهمة في بلورة منوال تنمية قادر على الارتقاء بتونس إلى مصاف البلدان النامية وفي صياغة نصوص قانونية تستجيب لمفهوم الاستدامة الذي تعمل قائمتنا على إرساءه وتحويله إلى منهج حكم وحياة .
الشعب التونسي ثار على الدكتاتورية والاستبداد والفساد في 14 جانفي 2011 وهو مدعو اليوم الى القيام بثورات على عديد الأصعدة للتحرر من كل ما هو تقليدي وإرساء قيم تسمح له بتحقيق نهضته وازدهاره . وأول خطوة على هذا الدرب تتمثل في القطع مع البرامج والسياسات التي لا تحترم منطق الاستدامة ولا تحافظ على مواردنا الطبيعية والبشرية . وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة القطع مع ما تحاول بعض الأطراف ترسيخه لدى المواطن التونسي من خلال إقناعه بأن تونس بلد فقير بينما العكس هو الصحيح . فمفهوم الغنى والفقر لا بد أن يتغير في تونس بعد الثورة فتونس بلد غني بطاقاته البشرية وأيضا بموارده الطبيعية رغم محدوديتها وعوض الحديث عن بلد صغير وفقير يجب الحديث اليوم عن امكانيات تثمين ما لدينا وارساء سياسات وبرامج تثمن ما لدينا ولا تقنن الاستغلال الفاحش لثرواتنا وتشرع للفساد وهيمنة فئة على الشعب التونسي ،وتقنعه بأنه شعب لا يحب العمل ويحب الاتكال على الدولة بينما يكمن العيب في طريقة تسيير البلاد وفي طبيعة القوانين والسياسات وفي سوء التصرف . وقد تعودنا في تونس منذ الاستقلال تحميل مسؤولية فشل كل سياسة للشعب التونسي في حين أن المسؤول الأول هي السلطة التشريعية ثم السلطة التنفيذية .
لقد تابعت خلال ثلاثين سنة كل المحطات التي مر بها الاقتصاد التونسي تقريبا وكان التساؤل دائما عن أسباب الفشل والإخفاق وكانت الإجابات واضحة الا أنه لم يكن مسموح لنا بالإفصاح بها ، واليوم أصبح ذلك متاحا وأعتقد أن وجودي في مجلس الشعب يمكن أن يسمح لي بتحويل تلك الإجابات إلى واقع دون الوقوع في سلبيات الانتماء الحزبي .
القليل يعلم أنك كذلك باحثة جامعية ؟ فهل يمكن أن تقدمي لنا جنات بن عبد الله الباحثة الجامعية ؟
لقد عدت إلى الجامعة التونسية بعد تقريبا 17 سنة وقد اخترت في البداية اختصاص التجارة الدولية باعتبار التحديات التي كانت تواجه الاقتصاد التونسي بعد انبعاث المنظمة العالمية للتجارة في سنة 1995 ومصادقة تونس على اتفاقيتها الرامية إلى تحرير التجارة الخارجية وتحرير الاستثمار وما يعنيه ذلك من فسح المجال أمام الشركات العالمية للتحكم في الحكومات والشعوب وثرواتها . وأعتقد أن أي مسؤول في تونس مطالب بمعرفة خلفيات وأبعاد ما جاءت به اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة حتى يتسنى لنا توظيفها لصالح أولوياتنا التنموية .وقد استمتعت بالتحاقي بالجامعة والغوص في هذه الاتفاقيات وخاصة اتفاق الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ، وكانت لي عديد المشاركات الدولية في مجال الملكية الفكرية والتجارة الدولية وقد حاولت التعمق في جوانب الملكية الفكرية بالنسبة للقطاع السمعي البصري واخترته موضوعا للبحث للحصول على الماجستير في التجارة الدولية .
بعد ذلك عدت إلى كلية العلوم الاقتصادية والتصرف للحصول على ماجستير في الاقتصاد والقيام ببحث حول الضغوط التي تواجه الحكومات جراء تطبيق اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة والرامية إلى تحرير التجارة الخارجية ورفع الدعم عن القطاعات وخاصة القطاع الفلاحي وسلبيات ذلك على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أيضا. ويمكن القول أن من الأسباب التي دفعت الشعب التونسي إلى الانتفاضة هو التطبيق الآلي لوصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة وضعف قدرتنا التفاوضية في هذه المجالات بما فسح المجال أمام الظلم والتهميش والإقصاء والاستغلال من قبل الطبقة السياسية في البلاد والتي تتحكم فيها الشركات العالمية، ولدينا في الشركات العالمية الناشطة في مجال الطاقة خير مثال .
بعدها فكرت في الحصول على شهادة الدكتوراه واخترت الموضوع بعد الاتفاق مع أستاذي من كلية الاقتصاد والتصرف بتونس وكان البحث يتعلق بموضوع الفلاحة والأسباب التي أدت إلى تدمير منظومة الإنتاج في بلادنا من زاوية اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة إلا أنني فضلت التوقف عن ذلك بسبب الإحباط الذي سيطر على حياة كل التونسيين في السنوات الأخيرة التي سبقت الثورة .
لمذا ارتكز اختيارك على قائمة بيئية في حملتك الانتخابية ؟
اخترت قضية البيئة لتكون القضية المركزية في الحملة الانتخابية لعدة أسباب .
يتمثل أولها في الإجابة على أسباب إخفاق السياسات التنموية وعدم تحقيق نسب نمو مرتفعة حيث نرى أن افتقار هذه السياسات لمفهوم الاستدامة دمر مكتسباتنا وثرواتنا ودفع بنا إلى الأجنبي ليتحكم فينا ويفتك منا سيادتنا لنصل اليوم الى توريد المواد الغذائية الأساسية والطاقة ليس بسبب عدم إنتاجنا لهذه المواد ولكن بسبب سوء التصرف وشراء الحكومات السلم الاجتماعية عوض العمل على تغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج .
ويتمثل السبب الثاني في العمل على تغيير نظرة المواطن التونسي للمسألة البيئية . فالبيئة ليست الفضلات و“الزبلة” وليست الحديقة الخضراء ، البيئة هي كل ما يتعلق بحياتنا وبكل الضروريات الكفيلة بتأمين هذه الحياة انطلاقا من الهواء الذي نتنفسه إلى الماء الذي نشربه والغذاء الذي نأكله وسلامة كل ذلك من التلوث والسموم والأمراض وتجدون في البيان الانتخابي لقائمتنا توضيحا لكل ذلك .
السبب الثالث يتمثل في التأثير على أصحاب القرار في تونس لتغيير نظرتهم لمفهوم الاستدامة والإسراع بتوفير شروط التطبيق، ويعتبر مجلس الشعب أهم سلطة لتجسيد ذلك .
حنان العبيدي