السيد الهادي القديري : الرئيس الاول السابق لمحكمة التعقيب
لقد قمنا مؤخرا بتظاهرة حول ” التحكيم و القانون التجاري” و يوجد هنا اختلاف بسيط بين الاستثمار و التجارة فالاستثمار هو توظيف رأس المال او المشاركة برأس المال في مشروع على أمل ان تأتي الأرباح على امد طويل و تكون الدولة فيه طرف و التجارة تكون بين الخواص و في ما يتعلق بالتحكيم فهو يجمع بينهما الاثنين.
و قد اصبح اليوم التحكيم شرط أساسي للاستثمار فإذا كنّا نرغب في جلب المستثمر و جذب انتباهه فهذا لا يمكن مع النظام القضائي التقليدي لتونس و يوجد تقريبا 24 دولة غير مشاركة في لجنة الامم المتحدة الخاصة بالقانون التجاري الدولي . فالتحكيم هنا يعتبر وسيلة بديلة للقضاء لان المستثمر يطلب في العادة الأمن القانوني للاستثمار ففي العادة يتخوف المستثمرين من قضاء و قانون البلاد التي سيستثمرون بها و يخشى المستثمر كذلك من ان القضاء سيميل الى الطرف التونسي فالتحكيم بصورة عامة اكثر حيادية من هذه الناحية.
و اذا فالتحكيم هنا وسيلة بديلة للقضاء و لكنه ليس لوحده فاليوم خرجت عدة وسائل بديلة اخرى او ما يسمى بالوسائل الملائمة و خاصة ان التحكيم دخل ضمن وسائلنا فقد برزت اليوم مهام التحكيم و المتمثّلة في وسيلة التوفيق و الوساطة و وسيلة التوفيق تتمثل في اختيار احد الأشخاص لتقريب وجهات النظر فقط و طرفي النزاع هما من يتخذا القرار في النهاية اما الوساطة فتتمثل في التوفيق بين الطرفين اذا كان الخلاف بسيط فيتم الحسم فيه .
و نحن في تونس منذ سنة 1957 أصدرت الامم المتحدة اتفاقية الاعتراف بالأحكام الأجنبية و في سنة 1958 صدرت اتفاقية تتعلق بالاعتراف بأحكام التحكيم و في هذه الاتفاقية تم التوصية بإنشاء منظمة “Unistral ” للمساعدة على تكريس التحكيم كوسيلة بديلة لفض النزاعات.
و هذه المنظمة قامت بعمل مجهود خاصة سنة 1985 و قد أعدت قانون نموذجي و توصية لكافة الدول التي يمكن ان تستأنس بهذا المثال. و الامر الجيد هنا انه في سنة 1993 اخذنا بكامل ما تضمنته توصية او القانون النموذجي الذي اعدته المنظمة سنة 1985 و لكنه جاء ضيقا في ما يتعلق بالنزاعات المقصاة من التحكيم و هي خمسة حالات تتعلق بالجنسية و الأحوال الشخصية و النظام العام ثم جعل للقاضي مهمتين مهمة مساعد للتحكيم و مهمة قاضي مراقب للتحكيم و ضيق دور القاضي المراقب للتحكيم. اذا هنا القضاء مساعد للتحكيم و القضاء مراقب للتحكيم .
و هنا لابد من الإشارة الى انه عندما يناقش المستثمر عقد الاستثمار مع احد الأطراف التونسية فان اهم شيء يقوم به هو إعداد الشرط التحكيمي و الذي يسمى باتفاقية الشرط التحكيمي و يعدها قبل الاستثمار و مع اهم المختصين.
و هنا لابد من الإشارة أيضا الى ان ما يتعلق بالانظمة القانونية في العالم هي النوعية فهناك أنظمة قانونية صديقة للتحكيم و أنظمة قانونية غير صديقة للتحكيم و النظام التونسي صديق للتحكيم و الدليل على ذلك وجود مجلة خاصة به و قضاء تونس في فقه القضاء الذي تصدره يدل على ان فقه القضاء التونسي هو فقه قضاء صديق للتحكيم و الدليل هنا ان اغلب القرارات التي تصدر بعدم ابطال قرارات التحكيم الا بما ندر.
و هنا اريد التوضيح ان التاجر او المستثمر عندما سيبرم عقدا تجاريا ففي آخر العقد سيضع في صورة النزاع من سيكون مختصا في النزاع و المحاكم التونسية اليوم في تطور أصبحت تقول انه نلتجأ الى التحكيم . و المجلة هنا مكنت من شيئين و هما ان اتفاقية التحكيم تكون اما قبل انطلاق النزاع و يتم القول فيه انه لو تم النزاع بيننا او لو سيقع النزاع لنضمن الالتجاء للتحكيم و نختار نظام التحكيم اما تحكيم حر اي ان أطراف النزاع من يختار المحكمين او نظام مؤسساتي و يتم بذلك الالتجاء الى مؤسسة تحكيم و يتم تعيينها. و هنا ايضا يجب ان نبين ان أراد أطراف النزاع من المحكمين من تطبيق القانون او تطبيق قواعد الانصافو كذلك يجب تبيين مكان التحكيم و القانون المطبق.
و هنا على المستثمر التونسي ان يعرف انه عندما يختار مؤسسة تحكيم اجنبية فلها تتبعاتها و عندما يختار مقر التحكيم في مصر مثلا فليعلم ان مصر نظامها قانوني و يمكن للقضاء ان يبطل احكام التحكيم و يجب ان تعرف أين سيطبق قرار التحكيم و يجب معرفة قانون البلاد التي سيطبق بها القرار و لمعرفة سهولة التطبيق من عدمه من المستحسن للمستثمرين هنا قبل إعداد الشرط التحكيمي الالتجاء الى محامين فمثلا اذا كان المستثمر يونانيا و أراد ان يكون التحكيم في اليونان و بلغة اليونان فأي محامي سيدافع في اليونان و باللغة اليونانية ايضا. فهنا على المستثمر التونسي الانتباه الى مكان التحكيم و لغة التحكيم و القانون المطبق .
و هنا اريد التوضيح الى انه عند اختيار التحكيم يجب التنصيص على نوعيته و ذلك باختيار تطبيق القانون او الانصاف و في حالة اختيار القانون لابد من الانتباه على ضرورة التنصيص على إصدار الحكم قبل الاستئناف اولا فإذا أراد المعني بالأمر ان تراقب المحاكم نزاعه يجب التنصيص على ان حكم هذا القانون يقبل الاستئناف و اذا لم يتم التنصيص عليها قبل الاستئناف فانه غير قابل للاستئناف . و اذا تم التنصيص على حكم غير قابل للاستئناف فهو قابل للابطال و مصير القضية يبقى بين التحكيم و الاستئناف .
و الاستئناف هنا بمفعول انتقالي تعيد النظر في القضية في الاستئناف و اذا تم التنصيص على انه غير قابل للاستئناف قابل للابطال فيجب في هذه الحالة ان ينص على انه في صورة محكمة الاستئناف ستبطل الحكم فاني أفوض لها ألَّبت في الأصل . فمن المستحسن هنا التنصيص على انهزاما كان الحكم غير قابل للاستئناف و الحكم بالإنصاف غير قابل للاستئناف و قابل للابطال يجب التنصيص على انه ان رأت المحكمة ابطال الحكم فان الطرفين يفوض لها البت في الأصل.
و من ناحية اخرى لابد في قضية التحكيم من التهيئة للدعوى فالخصم عندما يقوم بالعقد يبدأ في تحضير دعوى التحكيم و من هنا فان نوع الحكم بالإنصاف او القانون قابل للاستئناف او غير قابل للاستئناف لديه تأثير كبير.
نجوى السايح