يبدأ الاقتصاد في بادئ الأمر من حلم يدور
في خلد الانسان و أمل يحدوه نحو الأفضل ثم
ينمو هذا الحلم فيبدو و فكرة وجدانية تتخمر
ثم تتوضح الرؤى بواسطة العقل المدبر فيبدأ
التخطيط و الدراسة و الالتزام المطلق بالعقل
و المنطق- و تكتمل الدراسة الممنهجة- و
ينطلق المشروع مجهزا جاهزا لبداية العمل قد
يتم كل هذا في مكاتب الدراسة و التقييم- و
ينتقل المشروع إلى مرحلة الانجاز تحت أنظار
القائمين عليه و بإشراف و مجهودات الباعثين
و المهندسين و الخبراء إلا أنهم في الحقيقة
يغضون الطرف أو يسهون على أهم عنصر
في المشروع الكلي ألا و هو الانسان.
الانسان الذي سيقف على هذا المشروع
مهما كانت نوعيته و مهما كان اختصاصه.
الانسان هو العنصر الأساسي و الرئيسي
لكل مشروع و بدونه لا يستقيم الأمر و لا
تتوفر عناصر النجاح- و مع ذلك يكون هو
آخر من يسأل فيه اللهم إلا بعض العناصر
المسؤولة ذات الخبرة و المعرفة- يتسلطون
على المشروع بقوة الدراية والمركز الإداري-
فيستقطبون العمال لسدّ الحاجة في العمل
دون فرز و دون دراسة و دون حتى اختيار
و توجيه و تحضير فيحشرونهم في المؤسسة
–تحت نظام التسخرة- غير المعلن و من هنا
يبدأ التردي المهني و العملي و تسوء حالة
المشروع و تفسد بعض برمجته و تفقد المسيرة
الانتاجية نشاطها المادي الذي يسمو بها إلى
نتيجة التفوق و الامتياز الذي يؤدي بها آليا
إلى الربح.
ذلك لأن العامل و هو العنصر الأساسي
أدخل إلى المشروع برغبة منه سعيا وراء الكسب
و دون نفسية مجهزة و عقلية محضّرة- و دون
إرادة منه- لا يعنيه المشروع في شيء و لا
تغنيه النتائج و لا يهمه فشلها من نجاحها –كل
همّه أن يقضي ساعات العمل و يرقبها بفارغ
الصبر- متى تنتهي فينتهي الدوام العادي و
يغادر مقر عمله حاملا في قرارة نفسه بعض
الاشمئزاز و الكراهية لمسؤوليه المباشرين أو
لزملائه في العمل لأسباب تافهة و غير واقعية
– و لكنه يراها أسباب مقنعة و كافية ليتهاون
و يتراخى بل يتمنى أن تتعطل كل آلات الانتاج
نكاية في صاحب المشروع الذي يراه متعاليا
عليه متكبرا متجبرا لا يتواضع حتى لرد التحية
زيادة على همومه خارج العمل- إذ أنه سيعاني
عند مغادرة موقع العمل و الانتاج معاناة كبيرة
في التنقل و العودة إلى مقره السكني و قد
يخسر الساعة و الساعتين في ترقب وسيلة
النقل سيكون داخلها متضايقا من الاكتضاظ.
إذا عاد منهوك القوى –فكر في غده- و عند
الصباح يخسر اكثر من ساعتين للوصول إلى
مقر عمله –فيصله متعبا منهوك القوى مهموما
مكدودا و يبدأ في نشاطه داخل بنفسية مرهقة
و روح متكسرة – فتختل بذلك موازين الانتاج
و تضعف الانتاجية و يتشنج المشرف على
العمل و يغضب المسؤول و ينهار صاحب
المؤسسة – و تبدأ معظلة الفشل-
و يبحث الجميع عن أسباب التدهور
الانتاجي و التراجع الربحي و يدرسون الحالة
من كل نواحيها- و ينسون الأهم من ذلك كله
و هو الانسان العامل الذي هو العنصر الأول
في الانتاج و العنصر الأهم في المؤسسة فإذا
تذكروه تذمروا منه و بيتوا الأمر على عقوبته
أو طرده- و هم لا يعلمون أنهم قصّروا في
حقه حين حشروه حشرا في المؤسسة دون
أن يهيؤوه نفسيا و جسديا للعمل. و دون أن
يبحثوا عن وضعه الاجتماعي و يقدموا له ما
يدفعه للعمل الجدي و التفاني الصادق.
و دون أن يفكروا مطلقا في ادميته و
انسانيته يلبسونه تهمة الفشل في الانتاج.
رفيق المختار