تكتسي مسألة الاشهار للمنتوجات لغاية تسويقها أهمية بالغة نظرا لخطورة الدور الذي تضطلع به في التأثير على المستهلك و دفعه لشراء هذا المنتوج أو ذاك. و من هنا فمن المفروض ان يراعي مسوقو المنتجات في بلادنا مختلف الشرائح العمرية في ومضاتهم الاشهارية فيختارون لكل جيل ما يناسبه من أفكار و تصورات تقنعه بجودة المنتوج المعروض عليهم، و لكن اغلب المستشهرين في بلادنا لا يراعون طريقة تقديم اشهارهم كيفا و كما.
فشل من الناحية الجمالية
فتراهم يثقلون كاهلنا بلافتات اشهارية متعددة تعترض سبيلنا في كل مكان من مدرجات الملاعب لجدران المحلات لملصقات على الحافلات و المترو الخفيف إضافة إلى قنواتنا التلفزية التي تقبل على هذه المادة الدسمة في ربحها الفارغة في محتواها.
أقول هذا نظرا لأن العديد من الومضات الاشهارية أثارت استهجاني نظرا لمخالفتها للذوق العام و التقاليد و اخلالها بالقيم و الاخلاق و التربية الاسلامية و رغم ذلك نجدها تعرض يوميا على مختلف القنوات التلفزية “بحشيشها و ريشها” و تعترض طريقنا في شكل لافتات و كمثال حي على رداءة الاشهارات الاعلانية في أغلب اللافتات في العاصمة و ضواحيها ذلك الاشهار من نوع المشروب الغازي “بوقا بيضاء” و العبارة المنشودة “ما نعملوا شيء…؟” المتداولة في الشارع التونسي كبيره و صغيره… على غرار ذلك الاشهار الخالي من الذوق و الذي يحمل عبارة “طاحلي الجبن”…
هذا إلى جانب العديد و العديد من الومضات الاشهارية التلفزية التي أصبحت اسمالة لشهوات الانسان و قيادته من شهوات جسده فيتحول عبدا كما تبين ذلك في احدى الومضات الاشهارية في عبارة “بنة على بنة…” و كما يروج بعض موزعي الاتصالات لباقة خاصة للشباب بدعوتهم للتحرر و القيام بسلوكات هجينة… أهكذا نربي شبابنا، عماد المستقبل و رهان التنمية؟ أنه و الله لشيء عجيب!
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه، أين الرقابة على الاشهار؟ و من يسمح بتمرير هكذا لقطات؟ ألا يعلمون أن الاشهار فنّ بذاته؟ و اما عن الاستغلال الواضح و المباشر للأطفال في بعض الومضات الاشهارية، فحدث و لا حرج…
إشهار يروّج للسياسة
دعنا من ذكر المزيد من الشعارات و الومضات الاشهارية البائسة التي يستغل مروجوها سذاجة مجتمع استهلاكي بالأساس و لا نقف على الومضات الاشهارية المنعدمة الذوق، بل هناك أيضا من الأعمال الاشهارية الممتازة في العمل و المحتوى و التي تبعث من خلال برمجتها رسالة نبيلة كالتي لحظناها مؤخرا من أبرز مزودي الاتصالات أحدها عمومية “اتصالات تونس” في اشهار يبرز تكافل المجتمع التونسي و تضامنه في شهر رمضان الكريم حيث يصبح البعيد قريبا والغريب من الأهل… و كذلك الخاصة مثل “تونيزيانا” في اشهار يقوم بثه مؤخرا لترويج باقة معينة في الانترنات حيث أكثر ما يشد الأنظار تلك الفتاة الصغيرة التي تصعد إلى سطح المدرسة لتقوم برفع راية العلم رغم غزارة الأمطار… و في هذه الومضة بالذات هناك رسالة مباشرة و واضحة تبعث بها شركة “تونيزيانا” للرأي العام و المتمثل في الولاء للعلم و الوطن تبعا لما قد بدر من تيارات معينة من تدنيس للعلم التونسي و فيها تداخل بين الاشهار الاعلاني والسياسة فالاشهار يروج للسياسة. كذلك سمعنا مؤخرا ان أحد أبرز مزودي الأنترنات “اكزابايت” (hexabyte) قاموا بتزويد معتصمي باردو (في اعتصام المطالبة بإسقاط الحكومة) بالأنترنات مجانا…
فشل من الناحية الاقتصادية
و أما من الجانب الاقتصادي، فنلاحظ تراجعا كبيرا لعائدات الاشهار في وسائل الاعلام التونسية بسبب انخفاض الاستهلاك. ففي تقرير نشرته مؤخرا مؤسسة “سيغما كونساي” المختصة في سبر الآراء و الاحصاء تبين أن عائدات الاشهار في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة و المكتوبة في تونس تراجعت في الثلاثي الأول من عام 2013 بنسبة 33% مقارنة بنفس الفترة من عام 2012.
و بحسب المؤسسة تراجعت قيمة عائدات الاعلانات و التي تعتبر علامة بارزة لقياس مدى حيوية و نشاط السوق الاستهلاكية، من 32 مليون و 600 ألف دينار في الثلاثي الاول من عام 2012 إلى 21 مليون و 900 ألف دينار في الثلاثي الأول من عام 2013.
و لا تزال التلفزات في صدارة وسائل الاعلام التي تبث ومضات الاشهار، غير ان عائدات الاشهار انخفضت فيها بنسبة هامة تبلغ 38.1% فتراجعت قيمة المداخيل من 6 ملايين و 700 ألف دينار إلى 4 ملايين و 200 ألف دينار.
و بالنسبة للإذاعات شهدت هي الاخرى تراجعا في العائدات الاشهارية بنسبة 15% لتخفيض قيمة المداخيل من 6 ملايين و 600 ألف دينار إلى 5 ملايين و 600 ألف دينار و ذلك دون احتساب الضرائب و التخفيضات و المجانية…
و بأكثر دقة عرفت “التلفزة الوطنية” استقرارا نسبيا في اجمالي مداخيل الاعلانات التي بلغت 3 ملايين و 300 ألف دينار بتراجع طفيف بنسبة 1.5% خلال الثلاثي الأول من عام 2013.
و لاحظت مؤسسة “سيغما كونساي” من خلال تقديرها أنه بعد ارتفاع نسبة التضخم إلى حدود 6.5% في شهر مارس الماضي و تراجع القدرة الشرائية للمواطنين و فرض اجراءات متشددة على قروض الاستهلاك و انخفاض مؤشر الانجاز أصبح المستشهرون أو أصحاب الاعلانات يشعرون بالبرود.
و أعتبر أن انخفاض الاشهار دليل على الظروف الاقتصادية و الاستهلاكية القائمة في البلاد و هذا له تأثير كبير على بعض المؤسسات الهشة التي ستواجه مصاعب مادية كبيرة و قد تلجأ إلى التخلي عن جزء من موظفيها… إضافة إلى انعدام الذوق و رداءة المنتوج الاعلاني… الذي لا يراعي ظروف المتلقي أو المتفرج التونسي من خلال القيم و المبادئ الاخلاقية التي تعودها مجتمعنا و التي طالما حاولنا الحفاظ عليها و تربية أجيالنا القادمة على منوالها.
صفاء الرمضاني