جريدة الخبير

الآلية 16 قنبلة موقوتة على وشك الانفجار شباب يرزح تحت وطأة هذه الآلية المذلّة و يتألم من قساوة المعاملة و تهميش الجهات المعنية

 

DSC_0000002  DSC_0000004  DSC_0000006

 

تعتبر مسألة الآليات الوقتية للتشغيل و خاصة الآلية 16 أو ما يعرف بالآلية 21 التي تم اعتمادها من طرف صندوق التشغيل منذ بداية سنة 2000 من أهم المواضيع المطروحة التي تحتل صدارة الأولويات و تتطلب النظر بسرعة فيما تتسبب من مآس للعاملين ضمنها.

هم أعوان الحظائر و الآليات الظرفية و هم شباب يحمل أغلبهم شهائد  عليا ويقومون بأعمال و وظائف مختلفة و كثيرة بعديد المصالح العمومية و الإدارات خاصة في مجالات الصحة والعدل و التربية و مقابل ذلك يحصلون على أجر زهيد لا يسمن و لا يغني من جوع. ودون التمتع بأبسط حقوقهم الإنسانية وهم يطالبون بتسوية وضعياتهم و تحسين ظروفهم و إدماجهم بترسيمهم نظرا للخدمات التي يقدمونها دون أي تهاون أو تقصير.

وقد عبروا عن مطالبهم بشتى السبل من خلال اعتصامات و مطالب مناشدين بذلك سلطات الاشراف بالتدخل لمعاينة وضعهم الاجتماعي و المهني المتردي والترفيع في المنحة الشهرية المسندة و المقدرة ب120 د.

وهي أيضا من أهم المواضيع المطروحة التي ما فتئت رابطة الدفاع عن المعطلين تسعى الى ضرورة معالجتها و محاولة إيجاد حلول بديلة لتعويض هذه الآليات أو المسكنات الوقتية. وعلى هذا النحو و لأهمية الموضوع و أهمية قضية التشغيل في بلادنا و في صفوف شبابنا و التي ما فتئت تفرض نفسها دائما و أبدا لذلك اجرينا هذا التحقيق حول الموضوع.

 

الآلية 16 مسكنات وقتية و حلول بديلة هشة

و لمعرفة المزيد والتحري عن الموضوع التقينا السيد ” مسعود كواش” المكلف بالإعلام بوزارة التكوين المهني والتشغيل و حسب المعلومات التي أمدنا بها، يتمثل البرنامج في عقد تربص يدوم 9 اشهر يمكن تجديده مرة واحدة و تسند للمنتفع منحة شهرية تقدر ب120 دينار كما يتمتع طيلة مدة التكوين بالتغطية الاجتماعية.

وقد قارب عدد المنتفعين ببرامج التربص ضمن أشغال ذات مصلحة عامة أو ما يعرف بالآلية 16  حوالي 21 ألف منتفع خلال سنة 2012 يتوزع 52%على 5 ولايات و هي القصرين 4157 منتفعا و جندوبة 2041 منتفعا و المهدية 1744 منتفعا و الكاف 1623 و القيروان 1281 منتفعا.

كما تفيد المعلومات المتوفرة أن 64% من مجموع المنتفعين إناث و 7% فقط من حملة شهادات التعليم العالي و البقية يتوزعون بين الثانوي 36.5% و الابتدائي 18% كما علمنا أن 32% فقط يقومون بعمل إداري 23.8% مكلفون بالحراسة أو التنظيف 9.49% مكلفون بمهام التمريض.

أما بخصوص توزيع المنتفعين على الوزارات فان المعطيات تفيد بأن 6885 منتفع أي 33% من مجموع المنتفعين يتربصون بوزارة التربية و4575 بوزارة الداخلية 22% و 4325 بوزارة الصحة 21%.

هذا الى جانب وضع 577 منتفعا على ذمة الجمعيات و المنظمات الوطنية وهي وضعية غير قانونية باعتبار أن الآلية 16 مفتوحة للهياكل العمومية فقط اذ أنها تهدف الى تكوين طالبي الشغل في نطاق المشاريع ذات الصبغة الجهوية أو المحلية كصيانة البنايات العمومية و بناء ودهن و ترصيف و تبليط الواجهات العمومية و العناية بالمناطق الخضراء و هي موجهة لطالبي الشغل المرسمين بمكاتب التشغيل والعمل المستقل و الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة . و يمكن عند الاقتضاء الرفع في السن الى 35 سنة .

و لكن هذه الآلية حادت عن هدفها الأصلي و الأساسي ألا وهو التكوين لتصبح آلية يستعملها الولاة لمعالجة الحالات الاجتماعية و تستعملها الادارة لسد حاجياتها من الشغورات خاصة في مجال التربية والصحة و العدل مما جعل المنتفعين يطالبون بتسوية وضعياتهم و انتدابهم بمواقع العمل التي يجرون بها التربص و التكوين .

وقد شهدت سنة 2011 إدراج أعداد كبيرة من طالبي الشغل ضمن هذه الآلية دون التحقق من وضعيتهم الاجتماعية ومن إمكانية انتفاعهم ببرامج جهوية أخرى على غرار عملة الحظائر مما جعل نسبة كبيرة من المنتفعين يحصلون على منحة دون مباشرة التكوين أو الحضور بمواطن العمل فضلا عن انتفاع بعضهم بمنح برامج أخرى مثل الحظائر و منحة أمل بالتوازي مع الانتفاع ببرامج الآلية 16 .

ولتخفيف حدة الاعتصامات و التوترات و مطالب التشغيل الفوري تم إقرار مواصلة العمل ببرامج الآلية 16 خلال سنة 2012 و ذلك بتحديد عقود المتربصين.

كما تم خلال سنة 2012عقد جلستين وزاريتين للنظر في وضعية المتربصين ضمن هذه الآلية تقرر على اثرها تشكيل لجنة تضم ممثلين عن مختلف الهياكل التكوين المهني و التشغيل و الشؤون الاجتماعية و التربية والصحة و الداخلية و الثقافة و الهيئة العامة للوظيفة العمومية  تكلف بضبط  قوائمو ملفات المؤهلين للتسوية في اطار البرنامج على امتداد خمس سنوات وذلك بالنسبة الى المنتفعين بالآلية 16 و المباشرين العمل فعليا على أساس 3 عقود مسترسلة على الأقل و المدرجين ضمن هذا البرنامج قبل موفى سنة 2010 .

آلية تشغيل أم حكم بالأشغال الشاقة؟

في المقابل أردنا أن نستمع الى آراء المنتفعين ضمن هذه الآلية فقابلنا السيد “العروسي الهمامي” و هو والد أحدى الفتيات المنخرطات ضمن الآلية 16 أو ما يعرف بالآلية 21 وهو التربص في اطار أشغال ذات مصلحة عامة و قد حدثنا عن ابنته “وفاء الهمامي” المنخرطة ضمن هذه الآلية و التي تتقاضى 120 دينار كما سبق و ذكرنا و قد أمضت 3 سنوات بمعهد “الهادي الرايس لأمراض العيون” و الى الآن لم تسو وضعيتها و لا تتقاضى سوى هذا الأجر الزهيد من دون التمتع بأي تغطية اجتماعية أو امتيازات أخرى.

و بدورها حدثتنا ” وفاء الهمامي” ابنته كما سبق و ذكرنا و هي متزوجة ولا تملك منزلا و تعيش في الايجار و تتشكى وفاء من الوضع المزري حيث تؤكد أن ما تتقاضاه لا يؤمن لها تكاليف المواصلات، كما أنها تضررت نتيجة العمل حيث أن  فيروسا أضر بعينيها و حصل لها ضرر على مستوى عينها اليسرى و تؤكد محدثتنا أنها و رغم عملها بالمستشفى “الهادي الرايس” لأمراض العيون و رغم أن عملها هناك هو المتسبب في مرضها إلا أنها لم تتمتع بالتغطية الاجتماعية ولم يسمحوا لها بالعلاج بالمستشفى رغم ما قدمت لهم من وقتها و صحتها طيلة 3 سنوات فاضطرت للعلاج خارج المستشفى بمصحة خاصة و تكبدت مصاريف العلاج كاملة دون الحصول على أي امتيازات من مقر عملها وتضيف وفاء أنه يتم الاعتداء على حقوق من هم في وضعيتها و يتعرضون لشتى أنواع التجاوزات دون أن يجدوا من يدافع عنهم أو يساعدهم على استرداد حقوقهم المسلوبة حيث تؤكد أنه تم الاعتداء عليها بالضرب من قبل مريضة بالمستشفى و لم يحرك أحد ساكنا لذلك. كما أخبرتنا  أنه تم سرقة هاتفها الجوال و في المقابل يضعون الحق و اللوم دائما على المتربصات مهما يحدث لهم من اعتداءات .

الأكثر عملا و الأقل دخلا

“ليلى ساسي” متحصلة على شهادة جامعية ،أيضا تشاطرها الرأي و هي تعاني نفس الوضعية و تعمل بذات المستشفى و تقول أن وضعيتهم تعتبراستغلالا فادحا و أن والدها يعمل حارسا و لا يتقاضى سوى 350 دينار و في المقابل تعمل هي ب120دينار فقط. و تؤكد ليلى أنها تعمل ساعات اضافية من دون مقابل اضافة الى العمل يوم السبت و أحيانا الأحد وطبعا دون أي مقابل غير الأجر المحدد و الزهيد جدا السالف ذكره .

“رباب بن زيد” أيضا تعمل بنفس المستشفى و هي متزوجة ولها ابنة و ومثل زميلاتها هي الأخرى تتشكى من الوضع المزري و الاستغلال الفاحش و العمل أكثر من بقية الزملاء الذين لا ينتمون للآلية 16 و دون التمتع بالحق في العطلة السنوية كبقية العملة و تواصل رباب قائلة في حسرة لا أحد يهتم بنا ومستقبلنا مجهول.. و الغريب في الأمر أن الحكومة قامت بانتدابات عديدة لأشخاص جدد لا ينتمون للآلية 16 و لا يمتون للميدان بصلة حيث لم يحترموا لا الأقدمية ولا الخبرة خاصة وأن هناك من يعمل منذ سنوات و لكننا لا نزال نعاني التهميش و التجاهل من قبل كل السلطات المعنية بالأمر .

ومن جهتها تقول “أنيسة الطرابلسي” أنها تعاني الويلات و تعمل بأجر زهيد لا يكفيها لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المتشعبة و تضيف أن حالتها الاجتماعية عسيرة حيث أن والدها متوفى و أمها طردت من عملها بوزارة الصحة طردا تعسفيا وهي الآن تعاني من مرض الأعصاب و تؤكد أنها لم تحصل على أجر شهرين كاملين الى يومنا هذا .

و تتفق معها “ايمان شعيب” و هي بدورها مندمجة  ضمن برنامج الآلية 16 و تندد هي الأخرى بالوضع وبظروف الآلية و ظروف العيش فهي متزوجة و أم لطفلين و لا تتقاضى سوى 120دينار التي لا تسد الرمق و لا تكفي حتى ثمن المواصلات . و تضيف أن حالهم أسوء من حال المتسولين في الشارع على الأقل ربما يكون أجرهم باليوم أكثر من أجر العاملين ضمن الآلية 16 الذي لا يتجاوز ال 4000 مليم يوميا.

” هالة ساسي” أيضا تشاطر زميلاتها نفس الآراء و التشكيات و المطالبة بتسوية وضعياتهم التي باتت أمرا ضروريا و ملحا حيث تؤكد هالة انها تعمل منذ 3 سنوات وتعمل أيام الأحد وحتى أحيانا يوم العيد و دون النظر في تسوية وضعيتهم و الترسيم الذي بات من حقهم دون منازع خاصة بعد الخدمات الكثيرة والفترات الطويلة من الخدمة . و تضيف هالة أن معضمهم حاملين للشهائد العليا و لكن الادارة بالمستشفى تنتدب أشخاصا لا يحملون شهائد عليا أو أي شهائد أخرى.

 و من جهتها تؤكد “درصاف عربون” و هي تخضع لنفس الآلية صحبة زملائها بالمستشفى، كما أنهم لا يملكون الحق في أي شيء و في أبسط حقوقهم و يعاملون معاملة خاصة و دونية عن بقية العملة كما أنهم معرضون دائما للخطر سواء خطر الجراثيم أو خطر الاعتداءات من قبل المرضى أحيانا.

وفي الاطار ذاته تؤكد ” أسماء حميدة” وهي في نفس وضعية بقية زميلاتها  أنه لا أحد يحترمهم و كل بدورة يحاول مضايقتهم فأعوان الحراسة بالمستشفى يفرضون عليهم القواعد و يتسلطون عليهم  كما أنهم لا يقومون بوظائفهم الموكلة اليهم و يتركونها على عاتق و مسؤولية المندمجين ضمن الآلية 16 حيث يقومون بكل الأعمال التي ليست من اختصاصاتهم الأصلية فيوكل اليهم مثلا تنظيم صفوف المرضى بدلا من الحراس و أحيانا يقومون بالتنظيف بدلا من عاملات التنظيف وكل طرف لا تخلوا معاملته من سوء مع فتيات الآلية 16 بالمستشفى .

بنات الآلية 21 لا يملكن الحق في شيء الا في التعب و الجهد  

وعن رأي الادارة في كل ذلك تقول الفتيات المندمجات ضمن الآلية 16 أو 21، أن الادارة دائما ما تجيبهم على أي مطلب أو تشكيات بأنهن لا يملكن الحق في شيء بما أنهن “بنات ال21” كما يسمين بالمستشفى و حتى أبسط الحقوق و المتطلبات كالملابس الخاصة بالعمل أي زي المهنة فهذا أيضا ليس من حقهن و وهن مهددات مسبقا اذا فكرن أو حاولن المطالبة بأبسط حقوقهن أو اعتصمن و تكلمن فيكون مصيرهن الطرد دون النظر الى السنوات التي ضاعت في العمل بالمؤسسة ضمن هذه الآلية . كما أنهن لا يستطعن مقابلة المسؤول أو مديرة المستشفى فهي لا تستقبلهن أو تجيبهن أو تستمع اليهن و الى متطلباتهن، فهن وبقية زملائهم يعملون أكثر من غيرهم و يقومون بعمل غيرهم بينما يتقاضى البقية من عرقهم و حقهم و يعملون الساعات الاضافية دون مقابل.. و كل ذلك بأجر قيمته 120دينار كما سبق و ذكرنا، بينما يحصل غيرهم على أجور جيدة دون تعب. كما أنهم ينتدبون أشخاصا آخرين ليسوا من الآلية و غير متحصلين على شهائد عليا. و يبقى أصحاب الآلية مهمشين و دون احاطة اجتماعية أو ترسيم أو أي حقوق مهما كانت بسيطة و يقومون بترسيم عمال المناولة و غيرهم و ادماجهم حسب الولاءات الحزبية، حسب تصريحاتهن .

 وفي الاطار ذاته أردنا أن نستمع الى رأي المديرة المسؤولة على المستشفى “الهادي الرايس لأمراض العيون” صحبة الفتيات المندمجات ضمن الآلية 16 السالف ذكرهن . و لكن رئيس مصلحة الموارد البشرية بالمستشفى السيد  “كمال العيادي” لم يترك لنا المجال لنقابل المديرة و قال بالحرف الواحد أن المندمجات بالآلية 16 أو 21 كما يسمونهم ، هنّ ضيفات عندهم و دخلاء عليهم و لا يعنيهم أمرهم البتتة و أنهم يعملون و حسب و ليس لديهم الحق في الاعتراض أو المطالبة بأي حق من حقوقهم مهما كانت ظروفهم . و كان حازما وقاسيا في كلامه و معاملته لهن مما حزّ في أنفسهن كثيرا وقررن كتابة عريضة للسلطات المعنية بالأمر.

و لكن في المقابل قابلنا السيد “فؤاد الزواغي” رئيس المصالح المشتركة بالمستشفى و كان رأيه مخالفا لرأي زميله اذ قال أنه من حق العاملات و العاملين في اطار الآلية 16 المطالبة بتوضيح وتسوية وضعياتهم و أنه يتمنى سعي السلطات و المعنيين بالأمر للاهتمام بهم في أقرب الآجال و أضاف محدثنا قائلا أنهم يستحقون ذلك وفقا لمستوياتهم العلمية و باعتبار أنهم قدموا الاضافة للمستشفى و كانوا في المستوى المطلوب وأكثر .

هذه عينة من معاناة الشباب المندمج ضمن الآلية 16 بمستشفى الهادي الرايس لأمراض العيون أردنا تسليط الضوء عليهم ومعرفة مشاكلهم و مشاكل الآلية 16 بصفة عامة ، و لكن ليست هي الوحيدة فيوجد الآلاف في بقية المؤسسات العمومية و حتى الخاصة على غرار مستشفى شارل نيكول والرابطة و غيرهم…

و لا يسعني الا أن أختم بمقولة معبرة ل “مالكوم إكس”  ( لقد تعلمت باكرا أن الحق لا يُعطى لمن يسكت عنه ، و أنّ على المرء أن يُحدث بعض الضجيج حتى بحصل على ما يريد.) وهو ما ينطبق على كل الشباب الذي يرزح تحت وطأة الآلية 16 المذلّة للذات البشرية.

 ريم  عطافي 

غير مصنف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *