رغم أن آفاق النمو لا تزال ضعيفة، فإن هناك بيئة عالمية أكثر إيجابية تساعد على تحسين الآفاق الاقتصادية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان (MENAP).
ولزيادة النمو وتحسين مستويات المعيشة في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، هناك حاجة مستمرة لاعتماد إصلاحات هيكلية قوية ودائمة، مع مواصلة ضبط أوضاع المالية العامة.
سوف تنعكس العوامل العالمية التي تشكل آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2017 على الآفاق المرتقبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان من خلال تأثيرها على أسعار السلع الأولية والطلب على الصادرات وتدفقات التحويلات وأسعار الصرف والأوضاع المالية. ويكتسب النمو العالمي حاليا زخما حيث يتوقع أن يصل إلى 3.5% في عام 2017 و3.6% في 2018، بتحسن مطرد عن معدل النمو في 2016 البالغ 3.1%. وقد تم تعديل تنبؤات النمو بالزيادة في الولايات المتحدة وأوروبا، على وجه الخصوص، منذ الخريف الماضي، وبينما تم تخفيض توقعات النمو بالنسبة للاقتصاديات الصاعدة والاقتصاديات النامية بشكل طفيف، فقد تم تعديل التوقعات بالزيادة في الصين. وتتسق التوقعات العالمية مع ارتفاع أسعار السلع الأولية إلى حد ما وزيادة قوة التجارة العالمية، مما سيدعم النشاط الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان؛ كما أن قوة النمو في الصين ستدعم الاستثمارات المتوقعة في بعض البلدان. غير أن هذه الآفاق تشير أيضا إلى ارتفاع أسعار الفائدة، الأمر الذي سيؤدي، بدرجات مختلفة، إلى تفاقم مواطن ضعف المالية العامة في مختلف أنحاء المنطقة.
ورغم التحسينات على مدار السنوات القليلة الماضية، فلا تزال مواطن ضعف المالية العامة كبيرة. فلا تزال مستويات الدين العام مرتفعة، حيث تتجاوز 90% من إجمالي الناتج المحلي في عدد من البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان (مصر والأردن ولبنان). ولا يتوقف أثر هذه الأرصدة الكبيرة من الديون على إضعاف ثقة المستثمرين فحسب، ولكنها قد تؤدي أيضا زيادة المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي، نظرا لزيادة حيازات الدون في القطاع المصرفي والأسواق المالية الضحلة عموما. وعلاوة على ذلك، فإن عبء خدمة الدين المرتبط بها كبير في عدد من البلدان المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان (مصر ولبنان وباكستان، حيث استهلك ما بين 28% و48% من الإيرادات في عام 2016)، مما ترك مجالا أقل للإنفاق الاجتماعي أو الاستثمار العام.
ومع ذلك، فإن الاتجاهات المالية العامة الأخيرة مشجعة. فبالنسبة للمنطقة بشكل أعم، انخفض متوسط عجز المالية العامة من ذروة بلغت 9.25% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2013 إلى حوالي 7% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2016. ويعكس هذا التحسن، في جانب كبير منه، انخفاض دعم الوقود (مصر والمغرب والسودان)، وتراجع التحويلات للمؤسسات المملوكة للدولة ذات الصلة بالطاقة (الأردن ولبنان)، والجهود المبذولة لزيادة الإيرادات (باكستان) (الشكل البياني 2- 3).
ومع ذلك، فإن الحفاظ على وتيرة الضبط المالي سيظل يشكل تحديا. ففي عام 2016، كانت الإيرادات أضعف مما كان متوقعا مقارنة بعدد أكتوبر 2016 من تقرير آفاق الاقتصادي الإقليمي، بسبب ضعف تحصيل الضرائب (المغرب وتونس)، وتأخر الإصلاحات (تونس)، وتراجع النمو (الأردن والمغرب وتونس). وعلاوة على ذلك، رغم أن الوفورات الناتجة عن انخفاض أسعار النفط وتقليص الدعم سمحت بزيادة الإنفاق على البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية (مصر والمغرب وباكستان وتونس)، فسوف تتزايد صعوبة الحفاظ على هذا الإنفاق الآن مع توقعات ارتفاع أسعار النفط. وبالتالي، ثمة حاجة للمضي قدما بإصلاحات الدعم حتى اكتمالها (مصر والسودان وتونس) واحتواء خسائر المؤسسات المملوكة للدولة—بما في ذلك من خلال آليات التسعير التلقائية لشركات الطاقة (الأردن ولبنان وتونس).
وبصورة أعم، فإن إحدى الأولويات الرئيسية للبلدان المستوردة للنفط هي تحقيق إيرادات أعلى من خلال توسيع القاعدة الضريبية الحالية. وسوف يتطلب ذلك اتخاذ تدابير لترشيد تعدد معدلات الضريبة على القيمة المضافة (المغرب وتونس)، مع تبسيط هيكل معدلات الضريبة وإلغاء الإعفاءات (جيبوتي ومصر والأردن ولبنان والمغرب وباكستان والسودان وتونس). وسيقتضي ذلك أيضا بذل جهود متجددة لتعزيز الإدارة الضريبية (أفغانستان وموريتانيا والمغرب وباكستان والصومال والسودان وتونس). وفي هذا السياق، من شأن المساعدة الفنية التي يقدمها صندوق النقد الدولي وتفاعله مع بعض البلدان المتأثرة بالصراعات (الإطار 2-1) المساهمة في تعزيز إدارة الإيرادات (أفغانستان والعراق).
مع ضيق الحيز المالي، النمو الدائم والاحتوائي يتطلب مواصلة الإصلاح الهيكلي
تتسم معدلات النمو في كافة البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان بأنها بالغة التدني لدرجة تحول دون خفض البطالة أو تحسين الدخل على نطاق واسع ومرن. وسوف تحول القيود على المالية العامة دون قيام السلطات الوطنية بإعطاء دفعة للنمو من خلال الإنفاق العام وحده. ولذلك، هناك حاجة ملحة لإجراء إصلاحات هيكلية تعزز نشاط القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية (الشكل البياني 2-4).
وقد أُحرز بالفعل تقدم في هذا الاتجاه، بما في ذلك الارتقاء بحماية المستثمرين والقواعد التنظيمية (الأردن وموريتانيا والمغرب وتونس) وتخفيف حدة الاختناقات الرئيسية في البنية التحتية، مثل ضعف إمدادات الطاقة (مصر والأردن وباكستان). ولكن لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من التدابير لتعزيز المنافسة (مصر والأردن والمغرب)، وتقليص فجوة البنية التحتية (لبنان)، ومعالجة عدم تطابق المهارات المزمن بين الباحثين عن العمل وأرباب العمل (جيبوتي ومصر والأردن والمغرب وتونس). وبشكل أعم، تتطلب معدلات البطالة المرتفعة باستمرار إحراز مزيد من التقدم في إصلاح سوق العمل، بما في ذلك الجهود الرامية إلى زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل (مصر والأردن والمغرب).
وهناك حاجة أيضا إلى إجراء إصلاحات معززة للإنتاجية بغية تحسين القدرة التنافسية. وعلى الرغم من الطلب الخارجي المطرد، فقد شهد عدد كبير من البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان انخفاضا في حصصها التصديرية (راجع عدد أكتوبر 2016 من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي)، مما يشير إلى تراجع مستمر في القدرة التنافسية وتزايد الضعف إزاء الصدمات الخارجية. ويمكن تفسير جانب من هذا الانخفاض بالمخاوف الأمنية الإقليمية وتراجع عدد السياح (مصر والأردن ولبنان وتونس)، فضلا عن تعطل الطرق التجارية التقليدية (الأردن ولبنان). وقد يكون هناك عامل آخر يتمثل في تزايد قوة الدولار الأمريكي مؤخرا، مما ساعد على زيادة أسعار الصرف الحقيقية—لا سيما في حالة البلدان التي تنتهج ترتيبات سعر الصرف الثابت (الشكل البياني 2-5). غير أن جانبا أكبر قد يعكس مشكلة أساسية في إنتاجية شركات التصدير. ومن شأن الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحسين القدرة التنافسية—والمقترنة بمرونة سعر الصرف في حالة البلدان التي لديها ركيزة نقدية مناسبة—أن تساعد هذه الشركات على التنافس على أساس أكثر صلابة، مما يمكنها من الاستفادة بشكل أكمل من التعافي العالمي المتوقع.
القطاع المالي السليم سيكون داعما للنمو أيضا
النمو واسع النطاق على أساس مستمر يتطلب نظاما ماليا سليما. وفي الغالب، تتسم البنوك في المنطقة بأنها مستقرة وتتمتع بالسيولة وكفاية رأس المال. ومع ذلك، بالنظر إلى خمس سنوات متتالية من النمو الضعيف، إلى جانب أجواء عدم اليقين المحيطة بالتوقعات، تواجه هذه البنوك بيئة صعبة، وخاصة مع ارتفاع نسب القروض المتعثرة نسبيا. ومع ذلك، لا يزال نمو الائتمان محدودا، حيث لم تتغير التطورات إلى حد كبير مقارنة بعدد أكتوبر 2016 من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي (تمثل مصر استثناء هنا، حيث يمكن للسياسة النقدية الأكثر تقييدا أن تؤثر على نمو الإقراض في عام 2017). ويلزم على السلطات تعزيز أطرها التنظيمية والرقابية (جيبوتي وموريتانيا وتونس)؛ وأنظمة الإعسار والإفلاس؛ وفي بعض الحالات، ترتيبات التأمين على الودائع (مصر والأردن وباكستان وتونس).
المصدر تقرير صندوق النقد الدولي