حيث كلف السيد وزير المالية من خلال مراسلته المؤرخة في 10 جوان 2015 كل من السيد رشاد الفراتي والسيد محمد الحداد بصياغة رؤية تشاركية عصرية وشامل لتطوير منظومة المحاسبة والتدقيق في تونس وقد استندت المراسلة إلى “متطلبات الشفافية المالية التي أفرزتها الفضائح المالية التي رجت الإقتصادات على الصعيد الدولي وإلى فشل منظومة الإشراف على أعمال التدقيق المالية بالإضافة إلى “تدعيم ثقة المستثمرين والممولين من جهة والحد من التهرب من الإلتزامات الجبائية والإجتماعية..”
كما حددت الرسالة أربعة محاور يجب أن تشملها الرؤية والتي شكلت موضوع أربع لجان تكونت من أجل العمل على المحاور الأربعة والمتمثلة في :
- اللجنة عدد 1 والتي تعنى بإصلاح منظومة الإشراف على أعمال التدقيق المالية ومراقبتها بصفة تضمن استقلاليتها ونجاعتها بالإستئناس بأهم النظم المقارنة.
- اللجنة عدد 2 والتي تعنى بتطوير منظومة إعداد المعايير المحاسبية وتأويلها من حيث الجانبين المؤسساتي والفني.
- اللجنة عدد 3 والتي تعنى بتحوير النصوص المنظمة للمهن المحاسبية بصفة تضمن جودة الأعمال المسداة وتأهيل المهنيين التونسيين لاكتساح الأسواق العالمية .
- اللجنة عدد 4 وتعنى بالتشريع المتعلق بتنظيم مهنة المستشار الجبائي في اتجاه تحسين تموقعها ضمن هيكلة تنظيم المهن التي سيتم اقتراحها.
وحيث تكونت للغرض لجنة قيادة تولت تعيين رؤساء اللجان الأربع ثم انطلقت أعمال اللجان في التاريخ المحدد وذلك بمعدل اجتماع في الأسبوع. إثر المشاركة في هذا العمل من خلال العمل باللجنة عدد 4 وبلجنة المتابعة والتنسيق التي تكونت من المستشارين الجبائيين الممثلين للمهنة داخل اللجان ومستشارين جبائيين من الذين لم يشاركوا ضمن اللجان يمكن تقييم أعمال هذه المهمة كما يلي.
-
في موقف المهن المحاسبية من مهنة المستشار الجبائي:
حيث بادر مجمع المحاسبين بالبلاد التونسية بإصدار بيان مؤرخ في 10 جويلية 2015 يعارض فيه إحداث هيئة مهنية للمستشارين الجبائيين مما طرح تساؤلا حول الأهداف الحقيقية لهذه المهمة. وتفاقم الأمر صلب اللجنة عدد 4 لما عارض ممثل جمعية الخبراء المحاسبين الشبان تنظيم مهنة المستشار الجبائي بصورة مستقلة وجاراه في ذلك ممثلي الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين ووصل الحد إلى التشكيك في كفاءة المستشار الجبائي وفي كفاءة متفقدي مصالح المالية في مادة التدقيق الجبائي باعتبار أن مشروع القانون المنظم للمهنة نص على أن موظفي وزارة المالية برتبة متفقد مركزي والذين لهم أقدمية بأربع سنوات بهذه الرتبة يمكنهم أن يصبحوا مستشارين جبائيين.
وحيث اقتصر موقف المهن المحاسبية على معارضة تنظيم المهنة واقتراح إدماجها مع المهن المحاسبية وطلب إفراد الخبراء المحاسبين بمهام التدقيق الجبائي زيادة عن التدقيق المحاسبي ثم لحقت بهم لجنة القيادة لما غيرت موقفها بتعديل محضر الجلسة الذي أقر ضرورة إحداث هيئة وطنية للمستشارين الجبائيين في صيغته الأولى.
وعلى نفس المنوال نسجت اللجنة عدد 3 والتي تركت موضوعها المتمثل في تحوير النصوص المتعلقة بالمهن المحاسبية وتأهيل المهنيين لتنكب على النظر في تنظيم مهنة المستشار الجبائي وتعارض إحداث هيئة مهنية خاصة بالمستشارين الجبائيين. وبالرغم من أن اللجنة عدد3 يترأسها أحد القضاة إلا أنها لم تتقيد بالحيادية وانحرفت عن موضوعها لتتدخل في عمل اللجنة عدد4 المكلفة بالتشريع المنظم لمهنة المستشار الجبائي.
وتبعا لذلك تحولت أعمال اللجنتين إلى مناقشة مشروع القانون المنظم لمهنة المستشار الجبائي ومعارضته والمطالبة بتوسيع مهام الخبير المحاسب ليشمل الخدمات ذات الطابع الجبائي كالتدقيق الجبائي والاستشارة الجبائية مما جعلنا نتساءل عن الأهداف الحقيقية لهذه المهمة والتي بدأت برسالة تطلب صياغة رؤية تشاركية عصرية وشاملة لتطوير منظومة المحاسبة والتدقيق لتنتهي إلى محاولة السطو على مهنة المستشار الجبائي وإعاقة تنظيمها.
-
في الحياد والموضوعية:
إن نجاح أي عمل يتوقف على موضوعية أسسه وحياد القائمين عليه. وبالتأمل في الرسالة الموجهة إلى كل من السيد ين رشاد الفراتي ومحمد الحداد يذكر السيد وزير المالية أنه ” وبالرغم من خصوصية تركيبة هيكل الرقابة المشار إليه بالفقرة أعلاه – لجنة المراقبة – فإنها لم تتوصل إلى تحقيق النجاعة المطلوبة في أعمالها. وقد تم تشخيص الأسباب التي الت إلى ذلك ضمن دراسة تم إعدادها من قبل اللجنة بمساهمة مجلس هيئة الخبراء المحاسبين واجتمعت الأطراف المعنية حول ما ورد ضمنها.”
وتعبر هذه الجملة على مدى موضوعية منطلق الإصلاح باعتبارها تشكل صورة واضحة لتضارب المصالح وعدم التلاؤم حيث أن الهيكل الذي فشل في تحقيق النجاعة المطلوبة قيم نفسه بمساعدة المهنة العضوة فيه من جهة والتي يراقبها من جهة أخرى. كما أنه رغم الإشارة إليه كإحدى أسس هذه المهمة فإن أعضاء اللجان المنبثقة عن هذه المهمة لم يتوصلوا بهذا التقرير مما يحيلنا إلى التساؤل حول جدية الأعمال التي ستنبثق عنها.
كما أن الحديث عن الحياد يجرنا إلى الحديث عن التوازن في تمثيل المهن داخل اللجان مما أثر على أعمالها حيث اتسمت المشاركة بكثافة تواجد الخبراء المحاسبين الذين حضروا كممثلين عن هيئة الخبراء المحاسبين وكممثلين عن جمعية الخبراء المحاسبين الشبان بالإضافة إلى المحاسبين وهو ما أثر على أعمال اللجان خاصة اللجنة عدد 4 حيث أن عدد الممثلين أدى إلى اختلال في تقسيم زمن المداخلات.
كما تجدر الملاحظة أن السيد محمد الحداد كان يحضر اللجنة عدد 4 باستمرار وكانت مواقفه تعاضد مواقف الخبراء المحاسبين وقد برز ذلك جليا خاصة في النقاش الدائر حول التدقيق الجبائي حيث نصح المستشارين الجبائيين بوجوب التنازل عن مهمة التدقيق الجبائي لفائدة الخبراء المحاسبين من أجل أن يمر مشروع القانون المنظم للمهنة حيث اعتبر أن مهنة المستشار الجبائي لم توجد بعد وأنه في سبيل ولادة هيئة مهنية علينا أن نتنازل عن التدقيق الجبائي لفائدة الخبراء المحاسبين. وقد لاحظ الزملاء الذين كانو يحظرون اللجنة عدد 3 استماتته في مساندة الخبراء المحاسبين حتى أنهم حسبوه خبيرا محاسبا.
في ما يتعلق بمهام المستشار الجبائي:
حيث طالب الخبراء المحاسبون بحذف التدقيق الجبائي من المهام الموكولة للمستشار الجبائي بدعوى أن كل ما يدخل تحت مسميات التدقيق إنما هو من صلاحيات الخبير المحاسب مما يعكس خلطا بين التدقيق المالي والتدقيق الجبائي. وحيث دافع المستشارون الجبائيون على موقفهم بالاستناد إلى الطبيعة القانونية للتدقيق الجبائي والذي تم تدعيمه بقرار صادر عن محكمة الاستئناف بفرساي بفرنسا بتاريخ 18 سبتمبر 2014 والذي قضى بإلغاء اتفاقية مبرمة بين مكتب تدقيق في المحاسبة وشركة والتي كان موضوعها التدقيق في جملة من الأداءات وذلك استنادا إلى الصبغة القانونية لعملية التدقيق الجبائي. كما كثر الحديث عن تداخل المهام لتبرير طلب توسيع مهام الخبراء المحاسبين إلا أنه ومن خلال الجدول المقارن الذي تم إعداده من طرف اللجنة عدد4 يتبين أن النصوص المنظمة لمهام المستشار الجبائي والمحاسب والخبير المحاسب لا تنطوي على أي تداخل بين المهام. وتم الاستشهاد بالرأي الاستشاري الصادر عن مجلس المنافسة بتاريخ 07 جويلية 2015 تحت عدد 648/2015 الذي تعرض بإطناب للعلاقة بين المهن والتجاوزات التي ترتكبها مكاتب المحاسبة العالمية والمحلية وانتهى إلى ضرورة تنظيم مهنة المستشار الجبائي صلب هيئة مستقلة.
وكان الخبراء المحاسبون يستندون إلى الأحكام المتعلقة باسترجاع فائض الأداء ضمن قانون المالية لسنة 2010 وقانون المالية لسنة 2015 والتي تقضي بتسهيل استرجاع فائض الأداء على القيمة المضافة شرط تقديم تقرير مراقب حسابات لا يتضمن احترازات لها مساس بأساس الأداء كمنطلق للمطالبة بإفرادهم بمهام التدقيق الجبائي. وحيث أن هذه الفصول تعكس في حد ذاتها فساد التشريع الجبائي للفترة السابقة حيث أنها تمكنت من فرض خدمة مراقب الحسابات على المطالبين بالأداء كشرط لتمكينهم من حقهم في استرجاع فائض الأداء هذا بالإضافة إلى مخالفتها لأحكام الفصل 65 من الدستور باعتبارها تضمنت توسيع مهام الخبير المحاسب بمقتضى قانون عادي وليس ضمن القانون المنظم لمهنته والذي يكتسي صبغة القانون الأساسي.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة المالية لم تصدر أي تقييم لنتيجة هذه النصوص والذي يفترض أن يحمل دراسة موضوعية لتبعات الإخلالات المحاسبية خاصة أمام تفاقم حالات رفض المحاسبة حتى التي صادق عليها مراقبوا الحسابات هذا بالإضافة إلى تعرض الشركات إلى مراجعات جبائية أفضت إلى مطالبتها بمبالغ مالية ضخمة تم تأكيدها بأحكام قضائية رغم عدم تضمن تقارير مراقبي الحسابات احترازات تتعلق بأساس الأداء.
إن انعدام التقييمات خاصة المتعلقة بما ذكر في رسالة السيد وزير المالية من فضائح مالية والتي يفترض أن تتعرض إلى تقييم دور مراقبي الحسابات في الإخلالات والتجاوزات المالية التي عرفتها البلاد قبل 14 جانفي 2011 وبعدها بالإضافة إلى العزوف على تحميل المسؤوليات أدى إلى ضعف مصداقية تقارير مراقبي الحسابات وكبد المؤسسات الإقتصادية تبعات التسيب وشجع المحاسبين والخبراء المحاسبين على اقتحام مهام المستشار الجبائي دون حرج مما يثير عديد التساؤلات حول فاعلية دور سلطة الإشراف.