ارتبطت التعددية النقابية في الأذهان ببعض التجارب التي لم تعمّر طويلا سواء في بداية الاستقلال أم في منتصف الثمانينات.
كان ذلك زمن هيمنة الحزب الواحد، أمّا اليوم فإنه لم يعد هناك ما يبرّر أيّة ريبة أو احتراز من التعددية النقابية التي فرضت نفسها لا محالة، وأصبحت عنوانا بارزا في المشهد ألتعددي العام الذي تعيشه تونس من حيث التعددية الفكرية والحزبية، تنضاف إليهما التعددية النقابية كرافد مهمّ من روافد الحركية الشاملة ما بعد الثورة.
دخل اتحاد عمال تونس في المدّة الأخيرة حركية لافتة تخلّلتها بالخصوص نداءات صادرة عن قيادييه مركزيا وجهويا وقطاعيا لتفعيل التعددية النقابية. هم يعتبرون أن اتحادهم الذي فرض نفسه وتجاوز المراحل النضالية الأولى من أجل إثبات الذّات، من حقه أن يكون اليوم طرفا اجتماعيا فاعلا تتعامل معه الحكومة خاصة تعامل الند كسائر المنظمات.
وعندما يطرح اتحاد عمال تونس مسألة التعددية النقابية، فإنّه لا يطرحها من باب استجداء الاعتراف به من قبل الطرف الحكومي الذي من المفروض أن يكون من أكثر الأطراف حرصا على احترام الدستور والقوانين الدولية، وإنما يطرحها من زاوية مبدئية باعتباره أولا منظمة وطنية تأسّست وفق ما يسمح به التشريع، وثانيا باعتبار ما يحظى به من تمثيلية لدى قطاعات مهنية واسعة، وبالتالي فهو أي اتحاد عمال تونس يعتبر أن من حقّه المشروع أن يكون طرفا في المفاوضات الاجتماعية. ويحمّل الحكومة مسؤولية إقصاءه من هذه المفاوضات، والحال أن هذه الحكومة- من المفروض- أن تعطي المثل في احترام التشريعات والمواثيق الدولية التي تكرّس حق النقابيين في التعددية، وأن تعطي المثل أيضا في الامتثال إلى ما ينصّ عليه الدستور في باب الحرّيات ومنها حرّية التنظّم، والحق في الاختلاف وما إلى ذلك من المبادئ التي تؤسّس بحق لدولة القانون والمؤسسات.
الأمين العام إسماعيل السحباني طالب الحكومة لدى إشرافه مؤخرا على ندوة المالية، بفتح حوار مع كل الأطراف الاجتماعية دون إقصاء احتكاما إلى القوانين الوطنية والدولية، خاصة وأن الحكومة الأولى المنبثقة عن الثورة كانت أقرّت التعددية النقابية من خلال وثيقة الاتفاق التي أمضى عليها السيد محمد الناص وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك، وشدّد السحباني على ضرورة أن تحترم الحكومة تعهّداتها من خلال الإسراع بسنّ مشروع قانون التعديدية النقابية يعرض على مصادقة مجلس نواب الشعب. نذاك محمد الناصر ووشدّ
إنّ الحكومة بتماديها في تغييب اتحاد عمال تونس وامتناعها اللّامفهوم عن تفعيل التعددية النقابية إنّما تضع نفسها موضع المساءلة القانونية، لأن دولة القانون والمؤسسات تفترض بداهة احتكام الجميع إلى التشريعات والمواثيق المصادق عليها من قبل مؤسّستي الحكومة والمجلس النيابي، أمّا التمادي في سياسة اللامبالاة والاستخفاف بالقانون فمعناه أن الأهواء والأمزجة ما زالت تتحكّم في المواقف.
ومهما يكن، فإنّ اتحاد عمال تونس يستمدّ شرعيته قبل كل شيء من إيمان مناضليه ومناضلاته بأن التعددية النقابية مكسب اقتلعوه بنضالاتهم في مختلف الجهات والقطاعات، وهذا المكسب هو في النهاية مكسب لتونس عموما في اتجاه تكريس العدالة الاجتماعية كمدخل لسلم اجتماعية دائمة بعيدا عن التوتّرات والهزّات التي في ظلهّا يعشّش الإرهاب.