جريدة الخبير

قراءة في مشروع قانون مجلة الاستثمار: ضرورة مراجعة المشروع لتكون هياكله مستقلة عن السلطة التنفيذية

DSC_0378 site

تغطية: هاجر عزّوني

صور: رحاب الزّرعي

تهدف منظمة سوليدار تونس الاجتماعية إلى أن تكون مصدر إسناد للسلطة التشريعية في أداء عملها التشريعي والرقابي.

وتعمل هذه المنظمة على الارتقاء بالعلاقة مع السلطة التشريعية إلى أفضل مستويات التعاون والتشاور. وهي تنطلق من هذا المبدأ لتباشر إسناد مجلس نواب الشعب، نوابا ولجانا وهياكل، بتقديم دراسات متنوعة تتعلق بمشاريع قوانين ذات أهمية بالغة، على غرار مشروع القانون المتعلق بمجلة الاستثمارات.

واقتناعا منها بتشعب بعض النصوص، فقد بادرت المنظمة بدعوة عدد من الخبرات في مجالات مختلفة ومتنوعة لدراسة مشروع القانون المعروض وأثمرت النقاشات التي دارت بمقر المنظمة أو من خلال المراسلات بين مختلف المشاركين في هذا العمل إلى إنتاج ما يلي:

– دراسة تحليلية عامة لمشروع القانون المعروض يتضمن جملة من الملاحظات والأفكار الرئيسية

– دراسة فنية تولاها الأستاذ كمال الغزواني، المختص في قانون الاستثمار

وقد ساهم في عمل المنظمة المتكامل السيدة سلمى الزواري (أستاذة في الاقتصاد) والسيد سامي العوادي (أستاذ في الاقتصاد) والسيد كريم الجموسي (منسق مشروع مجلة الاستثمارات لسنة 2014) والسيد نبيل عبد اللطيف (الرئيس الشرفي لهيئة الخبراء المحاسبين) والسيد صالح بن يوسف (خبير مالي) والسيد صالح مزيو (خبير محاسب) والسيد محمد عزيز فتني (رجل أعمال وصناعي) والسيد عادل البصيلي (مختص في القانون البرلماني).

ولابدّ من الإشارة إلى أنّ الهدف الأساسي من سن مجلة استثمار جديدة هو التوصّل إلى تحقيق مواكبة فعلية لمقتضيات التشريع الجاري به العمل لمتطلبات ورهانات المرحلتين الراهنة والمقبلة لاسيما وأن تاريخ إصدار مجلة تشجيع الاستثمارات يرجع إلى سنة 1993 مما جعل الكثير من أحكامها بالية وغير مواكبة للزمان والمكان.

ومن الرهانات الاقتصادية الواجب رفعها صلب المجلة الجديدة توفير الإمكانيات لمؤسساتنا الاقتصادية لتكون أكثر تنافسية داخليا وخارجيا والعمل على تشجيع المشاريع ذات القيمة المضافة العالية، بالإضافة إلى تقديم الحلول اللازمة للحد من التفاوت بين الجهات والقطع مع منظومة لطالما ميّزت سلبيا بين الجهات المحرومة وباقي الجهات الأخرى.

ويبقى تركيز المشاريع الاستثمارية، وخاصة بالجهات الداخلية، السبيل الطبيعي الوحيد لإعادة العجلة الاقتصادية إلى الدوران لتحقيق نسبة نمو طيّبة والحد من البطالة بخلق مواطن شغل.

كما يفترض أن تتضمن المجلة الجديدة كل الأحكام ذات العلاقة بالشفافية والحوكمة الرشيدة  على غرار التجارب الدولية الناجحة  وهو ما من شأنه أن يشجّع المستثمر ، تونسي كان أو أجنبي، على بعث مشاريعه ببلادنا  ويطمئنه على  حسن التعامل معه وعدم التعسف عليه حتى في صورة نشوب خلافات بشأنها.

ان مشروع مجلة الاستثمارات يجب أن يسهم في إعادة التوازن الاقتصادي ومعالجة عديد الاشكاليات من بينها قلة الاستثمارات الخاصة ونمو اقتصادي دون إمكانيات البلاد ومؤسسات اقتصادية غير مندمجة في السلاسل العالمية للقيمة (chaines de valeurs mondiales) كضعف القيمة المضافة خاصة في مجال التصدير بما زاد من قيمة العجز التجاري وعجز المؤسسات الاقتصادية عن خلق مواطن الشغل الأمر الذي ارتفع معه عدد العاطلين عن العمل فضلا عن تركّز انتصاب المؤسسات في تونس الكبرى ووجود تشريعات مكلفة.

وبالاطلاع على مشروع المجلة، فإنّ جمعية «سوليدار – تونس الاجتماعية» كفاعل في المجتمع المدني، بإسناد السلطة التشريعية في سن نصوص قانونية متكاملة ومتناسقة تعتبر أن المشروع المقترح يحتاج إلى المراجعة والتصويب في العديد من جوانبه.

الإشكالات الدستورية والقانونية التي يطرحها المشروع

يجب على التشريع الوطني  أن يتناسق مع الدستور روحا ونصا، ومن شأن النص التشريعي المتعلق بمجال الاستثمار أن يمس بمسائل أتى عليها الدستور التونسي سواء في مبادئه العامة أو في مستوى الهيئات والمؤسسات التي أحدثها.

فاحترام مجال القانون وعلويته (الفصل 2 و65) وحرص الدولة على توسيع اسهام الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية (الفصل 8) كحرصها على حسن التصرف في المال العمومي واتخاذ التدابير اللازمة لصرفه حسب أولويات الاقتصاد الوطني (الفصل 10) وسعيها إلى تحقيق التنمية المستدامة والتوازن بين الجهات والاستغلال الرشيد للثروات الطبيعية (الفصل 12) والتزامها بدعم اللامركزية (الفصل 14) وتأكيد وجوب عمل الادارة وفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة (الفصل 15) والحق في العمل في ظروف لائقة وباجر عادل على أساس الكفاءة والإنصاف (الفصل 41) وضمان الدولة الحق في بيئة سليمة (الفصل 45) وضرورة قيم السلطة المحلية على أساس اللامركزية وإدارة المصالح المحلية وفق مبدأ التدبير الحر( الفصلين 131 و132) كلها مبادئ تؤمن جمعية سوليدار تونس بوجوب بروزها بصورة وواضحة في قانون ذات أهمية استراتيجية كقانون مجلة الاستثمار.

وفي هذا الإطار، تلفت الجمعية النظر إلى عدد من المسائل الدستورية التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند سنّ مثل مشروع القانون المعروض المتعلق بالاستثمار.

المسائل الدستورية ذات العلاقة المباشرة بمشروع مجلة الاستثمارات:

– إشكالية الفصل 65 من الدستور: لقد أورد الدستور في فصله 65 المواد التي تكون من مجال القانون  والتي تخرج عن إطار السلطة الترتيبية العامة.

ويستنتج مما تقدّم، أن الدستور الجديد مكّن السلطة التشريعية من حماية أكبر لمجال تدخلها (بواسطة القانون) بغاية ضمان التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتفادي سيطرة وهيمنة السلطة التنفيذية مثلما كان الأمر سابقا.

ويجد هذا الموقف الأخير أساسه فيما تتوفر عليه عملية إصدار النصوص في شكل قوانين من ضمانات إجرائية وشفافية على خلاف النصوص الترتيبية، بمعنى أن النصوص الترتيبية تخضع لرقابة قضائية بعدية في حين تخضع القوانين لرقابة قبلية من المحكمة الدستورية (الآن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين) مما يمكّن من تفادي وإصلاح  الأحكام القانونية غير الدستورية قبل صدورها.

ومن هذا المنطلق، نلاحظ أن الفصل 65 من الدستور اقتضى أن تتخذ شكل قوانين عادية القروض والتعهدات المالية للدولة وهو ما يجعلنا نعتبر أن التفويض للسلطة التنفيذية الوارد بالفقرة الأخيرة من الفصل 20 من المشروع والقاضي باتخاذ أمر حكومي يضبط نسب وأسقف وشروط الانتفاع بالمنح المذكورة بذات الفصل يعد غير دستوري ومخالف لنص وروح الفصل 65 من الدستور لما يتضمنه من تعهد مالي في جانب الدولة وكذلك الأمر بالنسبة للفصل 21 المتعلق بالمشاريع ذات الأهمية الوطنية (سقف منحة الاستثمار).

وعليه، يتعين إدماج كل الأحكام المتعلقة بالمنح المالية صلب نص قانوني حتى يكون متوافقا مع الدستور ويستحسن أن يتم إدراجها صلب مجلة الاستثمار التي تمثّل النص الجامع للاستثمار.

– تكريس المبدأ الدستوري المتعلق بالعدل بين الجهات والتمييز الايجابي: حيث ورد في الفقرة 4 من التوطئة أن النظام المرغوب في تأسيسه هو نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي يقوم على حياد الإدارة والحكم الرشيد والعدل بين الجهات.

وحيث اقتضى الفصل 12 من الدستور أن الدولة تسعى إلى تحقيق التوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي. كما ألزم الفصل 14 الدولة بدعم اللامركزية. وحيث أن الدولة التونسية، في شخص رئاسة حكومتها التي تتقدم بمثل هذه المبادرة التشريعية، تكون بالضرورة ملزمة الواجبات الدستورية المحمولة عليها. ويكون من الضروري أن يكون ذلك بصورة صريحة في النص المقترح بما لا يدعو إلى الشك والتقدير. وحيث أن قانون الاستثمار من بين أهم الآليات التي تحقق مثل هذه الأهداف وحيث بقراءة معمّقة لمشروع القانون المقترح، يتضح عدم وجود مقتضيات صريحة ودقيقة من شأنها تأمين تطبيق الأحكام الدستورية وبلوغ تنفيذ الالتزامات المترتبة عنها.

وحيث أن من بين أهم الآليات التي تؤمّن تحقيق الالتزامات الدستورية الأحكام الواردة بالمشروع والمتعلقة بالهيئات المحدثة للغرض وهي المجلس الأعلى للاستثمار والهيئة التونسية للاستثمار والصندوق التونسي للاستثمار.

وحيث بالرجوع إلى تركيبة هذه الهيئات، وبالنظر إلى مشاريع الأوامر التطبيقية التي ستتخذ للغرض، يتضح غياب تمثيل جدّي للجهات باعتبار وأن تركيبة مختلف هذه الهيئات ستشمل أعضاء الحكومة وممثلي السلطة المركزية وهو ما لا يتناسب وتشاركية القرار مثلما تضمنته أحكام الدستور في توطئته أو في أحكام بابه السابع المتعلق بالسلطة المحلية. ويتجه بالتالي مزيد تدقيق الأحكام باتجاه توظيفها لتحقيق أهداف التنمية الجهوية والعدل بين الجهات والتنمية المستدامة ودعم اللامركزية.

ويشمل هذا التدقيق أحكام الفصول 1 و3 و4 و11 و12 و13 و14 و15 و16 و17 و 18 و19 و20 و21 و22.

المسائل الدستورية التي تستوجب أخذها بعين الاعتبار:

– تنزيل القواعد المنصوص عليها بالفصلين 10 و15 من الدستور: اقتضى الفصل 10 من الدستور أن أداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة واجب وفق نظام عادل ومنصف.

كما اقتضى أن الدولة تضع الآليات الكفيلة بضمان استخلاص الضريبة، ومقاومة التهرب والغش الجبائيين.

وتحرص الدولة على حسن التصرف في المال العمومي وتتخذ التدابير اللازمة لصرفه حسب أولويات الاقتصاد الوطني وتعمل على منع الفساد وكل ما من شأنه المساس بالسيادة الوطنية.

كما اقتضى الفصل 15 من الدستور أن الإدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام، تُنظّم وتعمل وفق مبادئ الحياد والمساواة واستمرارية المرفق العام، ووفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة.

وحيث بالرجوع إلى فصول مشروع القانون المقترح، يتضح أن الأحكام المعروضة تترك مجالا للقول بإمكانية التمييز بين المستثمر الأجنبي وبين المستثمر الوطني.

وبالرجوع إلى أحكام العنوان الرابع، يتضح غياب تركيز آلية مستقلة لتأمين عملية تقييم وتفقّد لعمل الهيئات المحدثة وإسنادها لحوافز وامتيازات تستجيب للالتزامات الدستورية للدولة التونسية المتعلقة بالحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد والعمل وفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة لخدمة أولويات الاقتصاد الوطني.

ومن ثمة يتجه مراجعة الأحكام المقترحة باتجاه وضع آليات التدقيق والرقابة المستقلتين.

– غياب تشجيع الشباب: اقتضى الفصل 8 من الدستور أن الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن. وتحرص الدولة على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدرات الشباب وتفعيل طاقاته وتعمل على تحمله المسؤولية وعلى توسيع إسهامه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

وحيث وردت أحكام المشروع خالية من تشجيع للمستثمرين الشبان وتحفيز لأصحاب الشهادات العليا من ولوج قطاع الاستثمار وخلق مواطن شغل وفرص استثمار تسهم في تحقيق أولويات الاقتصاد الوطني. ويكون من الضروري مراجعة أحكام عدد من الفصول من أهمها الفصلين 1 و20.

تشتت النصوص المتعلقة بالاستثمار

يفترض أن تكون مجلة الاستثمار أحسن واجهة للبلد وأداة إشهار لاستقطاب أكبر عدد من المستثمرين من الداخل والخارج وهو ما يتطلب أن تكون في ثوب نص عام وجامع يتناول جميع الجوانب المتعلقة بالاستثمار من حقوق وضمانات المستثمر والنفاذ إلى السوق والحوافز المالية والجبائية وتبسيط للإجراءات الإدارية وتركيز آليات لتسوية النزاعات عند نشوبها.

وبغاية تحسين مناخ الأعمال والاستثمار كان من الواجب أن يتضمن مشروع مجلة الاستثمار كل الأجوبة عن الأسئلة الهامة التي قد يطرحها المستثمر حتى يتمكن من اتخاذ قراره بالاستثمار من عدمه بمجرد الاطلاع عليها.

إلا أنه بالرجوع إلى مشروع المجلة يتبين أن هناك توجّه بإفراد الحوافز الجبائية بقانون خاص، في حين أن كل الأطراف التي تمت استشارتها عند إعداد المجلة أجمعت على ضرورة إدماج الحوافز ضمن المجلة حتى تكون متكاملة.

ويكون من المفيد توحيد كل المقتضيات المتعلقة بالاستثمار صلب نص عام وشامل بدل تشتيتها على نصين قانونيين يتعسّر معها مهمة المستثمر في الإطلاع على التشريع الجاري به العمل بشكل مبسّط وسهل.

غياب تناسق القوانين وتعارضها

لقد خلا المشروع من أي إشارة إلى دور الجماعة المحلية في دعم الاستثمار داخل الأقاليم والجهات والبلديات والحال أن الدستور قد كرّس استقلالية الجماعة المحلية في اتخاذ القرارات وفق مبدأ التدبير الحر وأقرّ لها حق التمتع بسلطة ترتيبية في مجال ممارسة صلاحياتها، كما اقتضى الفصل 141 من الدستور أن ينظر المجلس الأعلى للجماعات المحلية في مسائل التنمية والتوازن بين الجهات.

ولهذا السبب، يفترض أن تلعب الجماعات المحلية دورا هاما في المجال الاقتصادي، عموما، وفي ميدان الاستثمار بالخصوص، وكان من الضروري أن يتضمن مشروع القانون رؤية استباقية واستشرافية تؤمّن التنسيق بين الهياكل المحلية والهيئة التونسية للاستثمار خاصة وأن المشروع اكتفى بالإشارة إلى تمثيليات جهوية للهيئة بما يجعل من الخيار المتبع صلب المشروع مساهما في تنمية مركزية القرارات.

من ناحية أخرى، نلاحظ غياب التنسيق مع مقتضيات القانون عدد49 لسنة 2015 المؤرخ في 27 نوفمبر 2015 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص على الرغم من التقاطع الواضح بين مجال تدخل النصين, وغياب تنسيق أحكامه أيضاً مع نصوص ذات علاقة بالاستثمار من بينها اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وقانون الطاقات المتجددة ومجلة المحروقات .

إشكاليات الحوكمة في المشروع

يتبين من المشروع أنه لم يقع احترام أسس اللامركزية الفنية التي من المفروض أن تحظى بها المؤسسات العمومية بوصفها تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية إذ يبرز جليا أن الوزارة المكلفة بالاستثمار ستتولى الاشراف على الهيئة التونسية للاستثمار التي تخضع ايضا إلى إشراف المجلس الأعلى للاستثمار، وهو إشراف مزدوج من شأنه أن يحدّ من فاعلية ونجاعة قرارات الهيئة واستقلاليتها فضلا عن كونها مطالبة بالتنسيق مع الوكالات والدواوين المتدخلة في مجال الاستثمار مما يزيد في تعسير مهمتها. وهذا الخيار من شأنه أن يعطي نتيجة عكسية بتعقيد الإجراءات الإدارية وتعسير مهمة الهيئة التي كانت الغاية من إحداثها تسهيل الأمور على المستثمر وتبسيط الإجراءات عليه.

والمقترح هو أن تتخذ الهيئة المذكورة شكل هيئة عمومية مستقلة عوضا عن مؤسسة عمومية غير إدارية على غرار التجارب الدولية الناجحة التي تم فيها  النأي بهيئات الاستثمار عن التجاذبات السياسية بإعطائها استقلالية كاملة وفعلية وهي من أهم توصيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE).

ثم يفهم من الخيار الوارد بالمشروع (الفصل 14) أن الهيئة ستمثّل هيكلا آخر يضاف إلى باقي هياكل الاستثمار الموجودة والتي ستحافظ على الدور التي تلعبه حاليا من ذلك أنها تتولى النظر في مطالب الانتفاع بالحوافز وإقرار إسنادها ولم يتضمن المشروع ما يفيد صراحة تكليف الهيئة بمهمة قيادة التدخل في مجال الاستثمار بما من شأنه أن يمكّنها من اتخاذ قرارات والحسم عند بروز تباين في المواقف بين مختلف الهياكل المعنية بالاستثمار  .

وفي هذا الغرض تقترح سوليدار تونس الاجتماعية على أن تكون قرارات الهيئة ملزمة لمختلف الهياكل المتعلقة بالاستثمار . ويعتبر التنصيص على ذلك بصفة صريحة مهم جدا في إطار التنظيم الإداري حتى لا يقتصر دورها على التنسيق بين تلك الهياكل فحسب دون أن تحلّى قراراتها بالقوّة الإلزامية إزاء تلك الهياكل وهو ما يمثّل عنصر لمزيد تشعّب الإجراءات وتعقّدها.

كما تقترح الجمعية تعويض عبارة «يمكن إسناد المنح بعنوان عمليات الاستثمار…..» الواردة بالفصل 20 من المشروع بعبارة «تسند المنح ….» وذلك للحد من السلطة التقديرية المخوّلة للهيئة والمجلس (المشاريع ذات الأهمية الوطنية)  حيث أن إعطاء الإدارة سلطة تقديرية أحسن طريقة لإفراغ القانون من محتواه وإحلال الإدارة محل المشرع في اتخاذ قرار إسناد المنح من عدمه ، في المقابل يكون إسناد الحوافز المالية بصفة آلية أحسن طريقة لتفادي الاعتباطية وتحقيق الموضوعية في التعامل مع هذه المسألة.

كما أن إسناد المستثمر الحوافز بصفة آلية بمجرد استيفائه للشروط القانونية يخوّل له الاستعداد للقيام بمشروعه في إطار واضح وشفاف.

بعض النقائص الأخرى

نتساءل عن غياب التنصيص على أولوية تشجيع التصدير في الأولويات الوطنية وهو ما لا يستقيم باعتبار أن التصدير يبقى من أولويات الاقتصاد الوطني ويساهم في تحقيق توازنه ويؤمّن قدرته التنافسية، ويتجه ذكره في الفصل الأوّل من المشروع. فلئن تمت مراجعة النظام الجبائي للشركات المصدّرة كليا للحدّ من الفوارق بينها وبين الشركات غير المصدّرة، فإن تغييب التصدير من الأولويات يعتبر رسالة سلبية للمصدّرين  واتجه الاحتفاظ به كأولوية.

حفاظا على مبدأ استقرار الوضعيات القانونية، يتجه تكريس قاعدة الحقوق المكتسبة التي تمكّن المستثمر من مواصلة الانتفاع بالحوافز التي أسندت له حتى وإن تم إدخال تعديلات لاحقة على المجلة. ويكتسي هذا المبدأ أهمية قصوى لاستقطاب المستثمرين لما يعطيهم من طمأنة وارتياح إزاء وضعيتهم القانونية على المدى القصير والمتوسط.

ينص الفصلين 4و9 من المشروع على أن سكوت الإدارة عن طلب الترخيص (ترخيص في ممارسة نشاط اقتصادي، ثم ترخيص في تحويل أموال إلى الخارج) لأجل معيّن بمثابة الترخيص والحال أن فقه القضاء الإداري استقر على اعتبار أن التراخيص لا تكون ضمنية بل صريحة لوجوب تضمّنها لتنصيصات أقرّها القانون كإمضائها من قبل السلطة المختصة وتحديد مدة صلاحيتها وتحديد مناط تطبيقها علاوة على أن الفصلين المذكورين لم تحدد الآجال الواجب احترامها في الغرض من قبل الإدارة فضلا عن ضرورة أن نتساءل هل أن الإدارة التونسية قادرة على مجابهة العدد الهائل من مطالب الترخيص في آجال ضيّقة؟ وما هو انعكاس قرار الحكومة الأخير المتعلق بسكوت الإدارة عن المطالب لمدّة شهر يعد في حد ذاته قبولا؟

نعتقد انه يتجه حصر انتداب الأجانب الوارد ذكره صلب الفصل 6 من المشروع في الاختصاصات غير المتوفرة بتونس نظرا لأزمة التشغيل التي تمر بها البلاد، ويتجه استبدال العدد 10 من إطارات أجنبية المنصوص عليه بنسبة مائوية تحسب على أساس سقف معين من نفقات الموارد البشرية ورقم المعاملات المتعلق بالتصدير  ،كما يستحسن إعطاء الهيئة حق تمكين التراخيص في الغرض عوضا عن الوزارة المكلفة بالتشغيل لتبسيط الإجراءات.

ترى الجمعية أنه يجب إعطاء المستثمرين التونسيين نفس الحقوق والحوافز مقارنةً بالمستثمر الأجنبي ومن دون ذلك لا يمكن للمستثمر التونسي المنافسة وتطوير صادراته.

تقترح الجمعية إعادة النظر في مجلة الصرف وربط تحويل الأموال بالعملة الأجنبية للمستثمرين التونسيين والأجانب بنسبة التدين ورقم المعاملات المتعلق بالتصدير.

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *